في ذكرى رحيله.. دكتور مستجير الذي حقق المعادلة الصعبة!

د. أحمد مستجير

التقيت به لأول مرة في منزله مطلع الألفية لإجراء حوار معه لجريدة “العربي” فإذا بالرجل عليه مهابة ووقار العلماء ويملك رقة وعذوبة الشعراء ورحب بي ترحيبًا كبيرًا، إنه العملاق أحمد مستجير.. الأب الروحي للهندسة الوراثية في مصر، والشاعر والمبدع الذي حلت ذكرى رحيله مؤخرًا رحمه الله رحمة واسعة.

فالدكتور أحمد مستجير صاحب مكانة متميزة على المستويين العلمي والإبداعي في مجال تخصصه، وكان رحمه لديه إيمان عميق بأن الهندسة الوراثية هي الحل الضروري لمشكلات العالم العربي الاقتصادية، وعلى رأسها مشكلة الغذاء وأنها -أي الهندسة الوراثية- الأداة الناجحة التي يمكن أن تمتلكها الدول الفقيرة للحاق بركب التقدم، والخروج من الدائرة الجهنمية والمرض والتخلّف.

ولهذا فالدكتور مستجير صاحب علم وقضية، وكان يدعو إليهما في كل محفل، حيث تأليف الكتب وترجمتها لتسهم في ترسيخ المعرفة بالهندسة الوراثية وأهميتها القصوى.

والدكتور مستجير -رحمه الله- كان يجمع إلى جانب تخصصه وعلمه الرفيع ثقافة متنوعة، فهو شاعر وعالم لغويات وكان عضوًا بمجمع اللغة العربية وعضو اتحاد كتاب وعضو لجنة الثقافة العلمية بالمجلس الأعلى للثقافة.

دكتور مستجير أحد علماء مصر الأفذاذ له العديد من الاكتشافات والإنجازات العلمية الكبيرة التي استحق عنها بجدارة لقب “الأب الروحي للهندسة الوراثية في مصر”، حيث نبغ الدكتور مستجير في علم الهندسة الوراثية، وكان يرى أن البيو تكنولوجيا من الممكن أن تستخدم لإسعاد الفقراء، وحل مشكلاتهم الاقتصادية، فهي تتضمن زراعة الأنسجة ودمج الخلايا والهندسة الوراثية، وباستخدامها يمكن إنتاج نبات مقاوم للأمراض أو مقاوم للملوحة أو متميز بمحصول وفير، فالبشر -من وجهة نظره- يعتمدون في غذائهم على القمح والأرز.

إذن نحن أمام عالم جليل تخصص في الهندسة الوراثية، وحقق العديد من الإنجازات والاكتشافات التي خدمت بلاده وأمته، آمن بدور العلم في إسعاد الفقراء، وحل المشكلات التي تعاني منها مجتمعاتهم بالعلم الذي امتلك ناصيته.

وهو أيضًا الأديب والشاعر ذو الحس المرهف والأسلوب المميز، صاحب الدواوين والكتب التي وضع فيها عصارة فكره وخلاصة جهده في مجال الأدب والشعر، وهو أيضًا الإنسان صاحب المواقف الوطنية والإنسانية المشرفة الذي عشق بيئته، وانطلق منها إلى فضاء العلم، إنه العالم المصري الذي عرّف نفسه قائلًا “أنا في الحق موزع بين شاطئين كلاهما خصب وثري، أجلس على شاطئ وأستعذب التأمل في الآخر.. وأعرف أن الفن أنا، والعلم نحن، ذبت في النحن وأحن إلى الأنا، وأعرف أن الفن هو القلق وأن العلم هو الطمأنينة، فأنا مطمئن أرنو إلى القلق”.

 

بين العلم والأدب

 

وللدكتور أحمد مستجير العديد من المؤلفات والكتب في الهندسة الوراثية منها مقدمة في علم تربية الحيوان، دراسة في الانتخاب الوراثي في ماشية اللبن، كتاب في التحسين الوراثي لحيوانات المزرعة، وكتاب في النواحي التطبيقية في تحسين الحيوان والدواجن، والمشاكل الفلسفية للعلوم النووية، والربيع الصامت ترجمة صراع العلم والمجتمع، وصناعة الحياة، والتطور الحضاري الإنساني، وطبيعة الحياة، والبذور الكونية، وهندسة الحياة، ولغة الجينات، والشفرة الوراثية للإنسان، الجينات والشعوب واللغات.

وإلى جانب نبوغه في العلم نبغ أيضًا الدكتور مستجير في مجال الأدب، فمنذ صغره وهو مولع بالشعر، وقد قال في هذا الصدد “في جوف كل عالم شاعر هو الذي يأخذه إلى طريق الأحلام والأوهام ليخلق منها علمًا حقًا، لا علم بلا خيال، ولا شعر بلا خيال، وشطحات الشاعر هي نفسها شطحات العالم”.

وكانت بدايته مع الشعر عندما قرأ ديوانًا شعريًا للشاعر الكبير صلاح عبد الصبور بعنوان “الملك لك”، حينها كتب مستجير قصيدة شعرية بعنوان “غدًا نلتقي”، وطلب من صديقه أحمد محمود الذي كان يشجعه على كتابة الشعر مساعدته في مقابلة صلاح عبد الصبور لكون أن أحمد محمود صديق لعبد الصبور، وعندما قرأ مستجير الشعر أمام الشاعر عبد الصبور أثنى الأخير على هذه القصيدة مما شجعه على الاستمرار في الكتابة، وأصدر ديوانين هما “عزف ناي قديم”، و”هل ترجع أسراب البط؟”.

أما في الأدب فمن أبرز جهوده كتاباته في عروض الشعر العربي وإيقاعاته الموسيقية، ومنها كتابة “مدخل رياضي إلى عروض الشعر العربي وإيقاعاته”، الذي قدّم فيه رؤية مختلفة في الموسيقى والشعر، من شأنها أن تبسط أمره لكل من يود معرفته، عوضًا عن الطريقة التقليدية التي تعتمد على التفعيلات التي تقوم على الذوق بصفة أساسية.

السيرة الذاتية

ولد الدكتور أحمد مستجير في ديسمبر 1934 الصلاحات، مركز بني عبيد محافظة الدقهلية، شمال مصر وتوفي في 17 أغسطس 2000.

عمل مدرسًا بكلية الزراعة جامعة القاهرة سنة 1964، ثم أستاذًا مساعدًا عام 1971، فأستاذًا سنة 1974، ثم عميدًا لكلية الزراعة جامعة القاهرة من سنة 1986 إلى سنة 1995 فأستاذًا متفرغًا.

حصل على العديد من الجوائز منها جائزة الدولة التشجيعية للعلوم والزراعة 1974، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1974، فجائزة أفضل كتاب علمي مترجم 1993، ثم جائزة الإبداع العلمي 1995، وجائزة أفضل كتاب علمي عام 1996، وكذلك جائزة الدولة التقديرية للعلوم الزراعية عام 1996، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1996، وجائزة أفضل كتاب علمي لعام 1999، وأيضًا جائزة أفضل عمل ثقافي لعام 2000، وجائزة مبارك في العلوم والتكنولوجيا المتقدمة لعام 2001.

الحلم يتحقق

وبعد أعوام عدة على وفاة العالم المصري الكبير الدكتور أحمد مستجير، رائد علم الهندسة الوراثية في مصر والعالم العربي، وها هو حلمه يتحقق، بدخول مصر عصر الجينوم، عن طريق فك شفرة الجاموس المصري، بفضل فريق بحثي مصري، وبتمويل وطني.

«مستجير» كان يرى أن «البيو تكنولوجيا» أو التكنولوجيا الحيوية، يمكنها إسعاد الفقراء، ومن خلالها يمكن للعالم زراعة الأنسجة ودمج الخلايا بالهندسة الوراثية، وإنتاج نبات مقاوم للأمراض أو مقاوم للملوحة أو متميز بمحصول وفير، والبشر يعتمدون في غذائهم على القمح والأرز، من هنا بدأ دكتور مستجير في استنباط سلالات من القمح والأرز تتحمل الملوحة والجفاف، لسد فجوة الغذاء.

مشروع «زراعة الفقراء»، أحد أبرز إنجازات «مستجير»، الذي بدأ العمل فيه عام 1989 بمساعدة عدد كبير من المتخصصين في مجال الزراعة، لاستنباط سلالات من القمح والأرز تتحمل درجات عالية من الملوحة والجفاف بهدف الاستفادة منها في زراعة الصحراء في الدول النامية.

استفادت دولة الهند من أبحاث «مستجير» حول زراعة القمح بوساطة مياه البحر مباشرة دون تحليتها، ولم تضف لها كثيرًا، وتحولت من دولة مستوردة للقمح حتى منتصف التسعينيات، إلى مصدرة له عام 2004 بعد أن حققت الاكتفاء الذاتي لشعب قوامه 1.3 مليار نسمة.

التصدي للتلوث

للدكتور مستجير إسهامات علمية بارزة عادت على المجتمع بالخير، فقد لعب دورًا كبيرًا في تطوير زراعة القمح والتصدي لأخطار تلوث البيئة، وقدم أكثر من أربعين بحثًا علميًا في مجال إنتاج الألبان واللحوم والدواجن والوراثة الحيوانية، كما قام بتهجين الأبقار بأنواع أجنبية، مستخدمًا تكنولوجيا التلقيح الصناعي بالسائل المنوي المستورد، مما يؤدى لرفع إنتاجية اللبن واللحم، وأثرى المكتبة العلمية بالعديد من المؤلفات في الهندسة الوراثية، منها مقدمة في علم تربية الحيوان، دراسة في الانتخاب الوراثي في ماشية اللبن، كتاب في التحسين الوراثي لحيوانات المزرعة، وكتاب في النواحي التطبيقية في تحسين الحيوان والدواجن، والمشاكل الفلسفية للعلوم النووية، والربيع الصامت، صراع العلم والمجتمع، وصناعة الحياة، التطور الحضاري الإنساني، طبيعة الحياة، البذور الكونية، وهندسة الحياة، ولغة الجينات، والشفرة الوراثية للإنسان، الجينات والشعوب واللغات، فضلًا عن إبداعاته الشعرية والأدبية.

المصدر : الجزيرة مباشر