يا له من انتصار صهيوني بائس على الطفلة هند!!
الطفلة هند رجب (6 أعوام) هي وعائلتها قصة أخرى دامية كان يجب أن تجعل العالم يهتز من هول المجزرة التي تعرضوا لها يوم 29 يناير/كانون الثاني الماضي.
خالها وزوجته وأطفالهما الثلاثة، وهند، قتلهم الأوغاد داخل سيارتهم وهم يفرون من الموت بحثا عن شبر واحد آمن في غزة.
كُتب على أهل غزة أن يكونوا جميعا على قائمة الشهادة، وهي القائمة الأطول فيما نعاصره من عدوان وصراعات وحروب في غابة الإنسان، منذ بداية هذا القرن.
ونحن كتبنا على أنفسنا العار والمذلة عندما نتابع على الشاشات أيام المجازر دون أن نفعل شيئا لأشقاء لنا، فهل نعذر أنفسنا بأننا محكومون بأنظمة شريكة في الجريمة الصهيوأمريكية، بالضعف الذليل، أو التبعية المهينة، أو الرغبة الدفينة في تحقيق العدو لهدفه المستحيل بالقضاء على المقاومة لكي لا يبقى أحد قادر على رفع راية الحرية والتحرر في منظومة العرب الاستبدادية.
أوغاد ووحوش
سيارة إسعاف تحركت بتنسيق مع الأوغاد لمحاولة إنقاذ هند لم تسلم من الاستهداف، الطفلة كانت لا تزال على قيد الحياة حتى مساء يوم المجزرة، بينما كل من حولها في السيارة الصغيرة استُشهدوا بزخات كثيفة من رصاص الوحوش المتحصنين في الدبابات وخلفها حيث يقتلون ويدمرون ويمارسون حرب الإبادة الجماعية والجريمة ضد الإنسانية في غزة.
وهي المحرقة التي تتواصل منذ 5 أشهر من شمال القطاع إلى وسطه ثم جنوبه، والقتلة يتجهزون الآن لسحق رفح على الحدود مع مصر حيث تنتظرها مجازر أكثر وحشية، فقد فر إليها 1.3 مليون شخص للاحتماء بها، والتحذيرات من الهجوم لن توقف القادم المهول ما لم يكن هناك أمر أمريكي مباشر حاسم، أو قرار من مجلس الأمن الدولي بوقف النار فورا.
التلذذ بالقتل
سيارة هند وخالها وأولاده كانت هدفا للتصويب من قريب والتلذذ بالقتل على مراحل من نازيين لا علاقة لهم بالآدمية والإنسانية، القتل عندهم لمجرد القتل ما دام الهدف فلسطينيا وعربيا، وعقائدهم الفاسدة المتطرفة العنصرية تغرس فيهم شريعة قتل الآخر تقربا للإله المزعوم لديهم، فالإله الحق لايأمر عباده بالقتل أبدا، ولا يمكن أن يكون إلها من يدعو مخلوقاته إلى سفك دماء مخلوقاته.
هؤلاء الذين ابتُلينا بهم هم أحط وأحقر المخلوقات البشرية، فقد تفوقوا على وحوش البرية في الافتراس والسقوط والانحطاط وفقدان القيم والأخلاق والإنسانية.
قتل المجرمون 4، وبقيت هند وابنة خالها ذات الـ15 عاما، وبمجرد سماع الذئاب لصوتها وهي تستنجد بقريب لها عبر الهاتف حتى جاءها وابل من رصاص الإرهاب فاستُشهدت، وبقيت هند وحدها وسط الدماء والأشلاء، تخيلوا الرعب الذي وجدت الطفلة نفسها فيه.
وكان يمكن إنقاذها، لكن المجرمين قصفوا سيارة الإسعاف التي حضرت إلى المكان بصعوبة فاستُشهد المُسعفان، وقد شاهدنا ما تبقى من حطام السيارتين وبقايا الجثث المتحللة أو المحترقة للشهداء الثمانية.
هند استُشهدت هي الأخرى، في جريمة تضيف عارا جديدا للعرب والمسلمين والعالم خاصة أمريكا وأوروبا الذين منحوا الصهيوني الفاشي الضوء الأخضر المطلق لشن حرب الإبادة ضد غزة، وكل شيء فيها.
لولا الجزيرة…
الجزيرة قدّمت قصة هند وأقربائها بتسلسل يُدمي القلب الدامي عن آخره أصلا، مشكورة الجزيرة فلولاها ما كنا وقفنا على حقيقة وتفاصيل محرقة القرن في غزة، ويومياتها الحزينة وقوافل شهدائها وجرحاها وجائعيها ومرضاها ومشرديها في مأساة المآسي.
وما كنا تيقنا بشكل قاطع من نازية ووحشية الكيان الصهيوني الذي يستحيل العيش أو التعايش معه، ولا أدري ما الميزة من إقامة الأنظمة العربية علاقات دبلوماسية وتطبيعا سياسيا معه.
وكذلك ما كنا فهمنا الغرب على طبيعته الكريهة الوقحة الدميمة الصليبية بدون مكياج ومساحيق الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، لقد أضر الغرب قيم الديمقراطية والحقوق التي كنا معجبين به لأنه يتبناها أبلغ الضرر لموقفه المخزي الداعم للمجازر بحق المدنيين.
قصص البطولة والصمود والتضحية
إنه غرب كاذب كذوب، تسبب في استشهاد نحو 30 ألفا، وإصابة ما يقارب 70 ألفا حتى الآن، وتشريد أهل غزة (2.3 مليون نسمة)، وتدمير كل ما هو فوق الأرض، كما يتواصل القتل والهدم والاعتقال بالضفة في الوقت نفسه.
كيف تكون الحياة مع هؤلاء القتلة والسفاحين؟ كيف يصمد الفلسطيني طوال هذه السنوات مع كل هذه العذابات والنكبات؟ إنهم فعلا شعب الجبارين، كما كان يردد أبو عمار، كل فرد في هذا الشعب هو جبل أشم، وائل الدحدوح مراسل الجزيرة وكثيرون معه نماذج لجبال من البطولة والصبر.
نعم، هناك مئات الآلاف من قصص التضحية، فليست هند وعائلتها وحدها التي واجهت مصيرا مؤلما، إنما كل فلسطيني من ضحايا هذا العدوان، وكل فلسطيني استُشهد خلال الدفاع عن الأرض والحق الثابت منذ إطلاق القتلة أول رصاصة في مخطط احتلال فلسطين.
قصص البطولة والصمود والتضحية لا تُحصى، وتستحق النشر والاهتمام للتدليل على خطورة الجريمة التي ارتكبتها بريطانيا في بلادنا، والتي تتواصل مع احتضان أمريكا وعواصم الظلم والتواطؤ لهذا السرطان.
الانتصار على المدنيين
ماذا لو كانت هند وعائلتها صهاينة وحصل معهم أمر مماثل؟ هل كان العالم والإعلام الغربي المتصهين سيصمت ويجبن، أم سيقيم الدنيا ولا يقعدها؟
الرئيس الأمريكي بايدن ظل يردد ومعه الأبواق الإعلامية أن المقاومة اغتصبت النساء وذبحت الأطفال يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهي أكذوبة سقط فيها عمدا هذا الخَرِف وكل من رددها من دعاة الديمقراطية.
هل بقتل هند وأقربائها يكون الأوغاد قد حققوا انتصارا ساحقا؟ وهل الانتصار يكون على أشلاء آلاف الشهداء المدنيين من الأطفال والنساء والعجائز؟
وهل الانتصار يكون على أطلال المستشفيات والمدارس والمخابز ومحطات المياه والكهرباء وأبراج الاتصالات وكل مرافق البنية التحتية ومنافذ الحياة التي يدمرونها؟
يا له من انتصار بائس بئيس خسيس حقير مجرم!