الصين تعترف بـ”حماس” بقليل من الخجل!

إسماعيل هنية يستقبل وان كيه جيان مدير عام الخارجية الصينية للشرق الأوسط

حققت الصين اختراقًا جديدًا في علاقتها بالقضية الفلسطينية، إثر مقابلة رسمية بين وانغ كيه جيان مدير إدارة غرب آسيا وشمال إفريقيا بوزارة الخارجية الصينية، مع إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” الأحد 17 مارس/آذار الجاري.

لم يظهر اللقاء بالصحف الدولية، وتناولته على عجل بعض المواقع الاخبارية، نقلًا عن بيان رسمي أصدرته “حماس” ولم نجد له صدى بوسائل الإعلام الصينية، عدا جملة واحدة، نقلتها وكالة” شنخوا” وموقعي السفارة الصينية بمصر وقطر.

رغم ندرة الصور والمعلومات عن اللقاء، فإن مجرد حدوثه، واعتراف الصين لأول مرة بأن “حماس جزء من النسيج الوطني الفلسطيني، تحرص الصين على وجود علاقة معها” وفقًا لتصريح المسؤول الصيني، يعد تحولًا كبيرًا في علاقة الصين بحرب الإبادة التي يمارسها العدوان الوحشي الإسرائيلي على غزة.

الاختراق الصيني، لا يتوقف عند لقاء دبلوماسي عابر، ولكنه جاء ضمن سلسلة من المباحثات بين الجانبين الفلسطيني والصيني، وجولة للمسؤول الصيني بالمنطقة، أدت في نهاية المطاف إلى استخدام الفيتو الصيني والروسي، وموقف عربي موحد لمنع تمرير مشروع أمريكي لقرار من مجلس الأمن الدولي، الأربعاء الماضي، استهدف التوصل إلى هدنة مؤقتة مدتها 6 أسابيع. تسعى واشنطن لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين مقابل السماح بدخول المساعدات للجوعى بالمناطق المحاصرة، بينما العدوان يستمر بالإبادة الجماعية، عقب انتهاء الهدنة المقترحة، وحربه الصفرية على “حماس” تحت المظلة الأمريكية.

 

أسرار على الملأ!

 

علاقة الصين بالقضية الفلسطينية بدأت منذ تأسيسها 1949، وتبنيها مطالب الشعب الفلسطيني في الحرية وإقامة دولته المستقلة، بما دفع بيجين إلى تجاهل اعتراف إسرائيل عام 1950، بجمهورية الصين الشعبية، وسط حصار غربي لنظام الحكم الشيوعي الوليد، استمر نحو ربع قرن. تطورت العلاقة بين الطرفين سرًا، ولم تظهر بالعلن إلا عام 1992، عندما شرعت منظمة التحرير الفلسطينية بإجراء مفاوضات “أوسلو” لتبادل الاعتراف بين الفلسطينيين وإسرائيل، بموافقة الجامعة العربية.

تراجع اهتمام الصين بالقضية الفلسطينية، خلال العقود الثلاثة الماضية، فصب بقوة نحو إسرائيل التي أصبحت ملاذها لتهريب التكنولوجيا العسكرية والمدنية الغربية المتطورة.

رغم استقبال بيجين لفصائل عديدة، من خارج السلطة الفلسطينية، فإن الصين لم تعترف أبدًا بأن حركة “حماس” جزء من النسيج الوطني الفلسطيني، بما أوقعها في مأزق عندما وقعت “طوفان الأقصى” حيث أدانت هجوم حماس، واكتفت بدعوة الطرفين المتحاربين بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى وقف القتال والعودة إلى المسار السلمي والتوجه نحو حل الدولتين.

“حماس” بعيون صينية

تضع بيجين “حماس” ضمن قائمة الجماعات الإسلامية المتطرفة، التي تلاحق أمثالها، شمال غرب الصين، بتهمة “الإرهاب” وتحريض المسلمين من الإويغور والقازاق والأوزبك على الانفصال. لم تصنف “حماس” كجماعة إرهابية، كما تفعل الولايات المتحدة وحلفاؤها، للابتعاد عن الانجراف وراء الغرب بمشاكل هي بغنى عنها، بمنطقة تشهد تقلبات سياسية وأمنية مستمرة، لن تقدر على حسمها، تحتاجها في توفير 54% من واردات النفط، وتمثل سوقًا كبيرًا ينمو بمعدلات هائلة سنويًا، وأصبح خامس أكبر شريك تجاري للصين.

تتبنى الصين رؤية أنظمة عربية تعتبر “حماس” أحد أذرع جماعة “الإخوان المسلمين” دون أن تتورط بوضعها بقائمة الإرهاب، أسوة بهم. تأتي مخاوف الصين من “حماس” على خلفية عداء أيديولوجي قوي من الحزب الشيوعي الحاكم، يرفض تبني المواطنين لأية عقيدة دينية أو سياسية مغايرة لما يتبناه الحزب، تحت دعاوى حماية الدولة القومية، عدا ما يظن بأن تلك الجماعات” تثير مخاوف أمنية من تحريض المسلمين في الصين والدول الإسلامية المجاورة لها على الخروج على السلطة المركزية للدولة”.

لقاء “هنية” ووان كيه جيان

علاقة الصين بـ”حماس” تظهر بلقاء “هنية” مع مسؤول كبير بدرجة وكيل وزارة الخارجية، لا تشرف إدارته على سفارات الصين من موريتانيا مرورا بدول شمال إفريقيا ومصر والسودان والجزيرة العربية والشام فحسب بل وإيران والباكستان. يبين اختيار وان كيه جيان لهذه المهمة، أنها عازمة العودة بقوة إلى فلسطين كقضية محورية تحدد مستقبل منطقة تريد أن تزيح منها الوجود الأمريكي برمته، وبحثها هدم النظام أحادي القطب الذي تديره واشنطن، وعن مسؤول قادر على سبر أغوار القضية الفلسطينية بعيون وأفكار خبيرة بأهلها، دون الاكتفاء بإرسال مبعوث رئاسي وإجراء مكالمات هاتفية عن بعد بين وزير الخارجية وقادة المنطقة.

وان كيه جيان آخر جيل من شباب عرف اللغة العربية بجامعة بيجين من العالم الأزهري محمد ماكين الذي أسس بها قسم اللغة العربية، وترجم معاني القرآن الكريم، وشارك بتأسيس الجمعية الإسلامية الصينية، التي ساهمت في دعم العلاقات بين الصين والعرب، منذ عام 1956.

تتلمذ على أساتذة الجيل الثوري، الذي تطوع بعضهم للدفاع عن مصر ضد العدوان الثلاثي الإسرائيلي الفرنسي البريطاني، عام 1956، فتشبع بحب اللغة والثقافة العربية، وكان من أوائل الطلاب الذين درسوا بجامعة القاهرة، ضمن برامج للتبادل الطلابي بين مصر والصين، أخرج نخبة من الدبلوماسيين وأساتذة الجامعات والصحفيين، يحتلون مناصب قيادية بمؤسسات الدولة والحزب حاليًا.

نظرة جديدة

يتقن وان كيه جيه العربية بلهجة مصرية، وكذلك زوجته التي رافقته بالمرحلة الجامعية، حيث تزوجا وعملا معًا وأنجبا ابنتهما الوحيدة، لتتعلم العربية وسط أترابها بالقاهرة. تولى وان كيه جيان عدة حقائب دبلوماسية في كل من اليمن والجزائر ومصر التي عاد إليها وزيرًا مفوضًا فرئيسًا للبعثة الدبلوماسية عام 2009، إلى أن ذهب ليعمل سفيرًا للصين بسوريا ثم لبنان.

عمل نائبًا لـ”وو سي كه” سفير الصين الأسبق بالقاهرة، الخطيب المفوه بالعربية وأول مبعوث صيني للسلام بالشرق الأوسط. عايش وان كيه جيان ثورات الربيع العربي ويعلم كثيرًا عن الحركات الإسلامية والعشائرية بالمنطقة، حيث تبادل معنا الكتب والحديث كثيرًا حولهما، ولديه فهم جيد عن “حماس” كحركة تحرر وطني، مهتمة بقضيتها الوطنية، بعيدًا عن حركات سياسية أخرى، تحاول تصدير نموذجها خارج إطارها الجغرافي.

قد يصبح وان كيه جيان مبعوثًا صينيًا جديدًا، ولن تخجل بيجين من نشر مقابلته بقيادة “حماس” على الملأ، بعد أن أدركت ضرورة عدم ترك واشنطن تعبث بالمنطقة منفردة بما يهدد مصالحها، وتفاقم خسارتها بثقتها في حليفتها دولة الاحتلال التي ترتكب حربًا انتقامية في غزة، منذ نحو 200 يوم، قتلت بها 33 ألف شهيد، وأسقطت 80 ألف مصاب، وشردت 2.3 مليون إنسان، منهم 1.2 مليون، يعيشون في مجاعة، تحت القصف الوحشي المتلاحق، لا علاقة لأكثرهم بــ “حماس” إلا وجودهما معا في حيز عمراني ضيق، تحت الحصار منذ 17 عامًا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر : الجزيرة مباشر