من داخل البيوت إلى الشوارع: تطور الاحتفال برمضان في ألمانيا!

موائد الرحمن في ألمانيا (منصات التواصل الاجتماعي)

تشهد ألمانيا زيادة ملحوظة في عدد المسلمين؛ مما أدى إلى ظهور شكل جديد للاحتفال بشهر رمضان، تجلى في احتفالات هذا العام. وهو أمر لم يكن مألوفًا، وقد جاء بعد قرارات صادرة عن بلديات فرانكفورت وكولونيا، سمحت بتعليق “الزينات” الرمضانية و”الديكورات” في الشوارع، مما ساهم لأول مرة في نقل الاحتفالات بالشهر الكريم من داخل المنازل إلى الأماكن العامة.

يعتبر هذا النقل خطوة نحو التسامح والتعايش السلمي مع المسلمين في ألمانيا، خاصة في ظل التحديات التي واجهتها الجاليات الإسلامية في العقود الأخيرة، بما في ذلك التمييز والهجمات على الإسلام التي انفردت بها حركة “بيجيدا” المعادية للمسلمين، التي رسخت مفهوم “الإسلاموفوبيا” لدى شريحة كبيرة من الألمان.

التسامح أفضل الطرق لدمج المسلمين

يرى بعض المتابعين أن هذه الخطوة تعكس التزام مدن ألمانية بالترويج لقيم السلام والتسامح والإخاء، وهذا ما أكده عمدة مدينة فرانكفورت الذي يرى أن التعايش السلمي بين أفراد المجتمع يظهر من خلال مشاركة المدينة في احتفالات الأقليات الدينية. ويشكل المسلمون نسبة تزيد على 15% من سكان فرانكفورت حاليًّا، وهو أمر يثير الاهتمام بما إذا كانت هناك مدن ألمانية أخرى ستتبع هذا المثال مستقبلا في الترويج للسلام والتسامح ورفض الكراهية والتمييز.

لقد حظي هذا القرار بترحيب من قبل الجمعيات الإسلامية في ألمانيا، لكنه واجه رفضًا وانتقادات من الأحزاب المتطرفة. وبغض النظر عن الآراء المعارضة، فإن الحقيقة تكمن في أن فرانكفورت قامت بخطوة مهمة نحو التسامح، ليس فقط بفضل تصريحات إيجابية من عمدتها، ولكن أيضًا بفضل تضامن أحزاب الائتلاف الحاكم، وهي حزب الخضر، والحزب الاشتراكي الديمقراطي، والحزب الديمقراطي الحر، الذين تقدموا بطلب رسمي لاعتماد احتفالات شهر رمضان على غرار احتفالات عيد الميلاد لدى المسيحيين.

صلاة العيد في كاتدرائية كولونيا

تجاوزت تكلفة شراء الإضاءات والديكورات 75 ألف يورو، وهو مبلغ كبير يليق باهتمام المسلمين بشهر رمضان. بادرت كذلك مدينة كولونيا بنقل التجربة إلى شوارعها، وهي أيضا تضم أعدادا كبيرة من المسلمين، ومعروف أنها سمحت بأداء صلاة العيد في كاتدرائيتها العريقة سنة 1965 بعد انتهاء شهر رمضان في ذلك العام.

في تلك الفترة، كان المسلمون الأتراك في مدينة كولونيا، الذين تجاوز عددهم في ذلك الوقت  2000 مسلم، يجدون صعوبة في إيجاد مكان لأداء صلاة العيد بسبب غياب مسجد مناسب.

لذا، فتحت كاتدرائية كولونيا أبوابها لهم. وسجل التاريخ حدثا فريدا من نوعه في ذلك اليوم عندما تم نشر سجاد الصلاة على أرضية الكنيسة، واتجه المصلون نحو القبلة، ورفعوا أصواتهم بتكبيرات عيد الفطر المبارك داخل الكنيسة. وكان صدى أصواتهم يتجاوز الأعمدة في أروقة الكنيسة المبنية على الطراز القوطي الرائع. وكتبت جريدة “كولونيشا روندشاو” وقتها تقريرًا تحدثت فيه عن هذه المبادرة الرائعة، وعنونت مقالها عن هذا الحدث بـ”يوم التسامح في تاريخ الأديان”.

ظلت هذه الصورة شاهدة على فعل التسامح الديني نحو 60 عامًا، واختزنت هذه الصلاة في ذاكرة المسلمين الذين يتعرضون الآن للتضيق والإقصاء والكراهية، واعتبرها الألمان صلاة فريدة من نوعها. ويذكر أيضًا أن المسلمين ردوا الجميل في نفس اليوم، عندما شكر الإمام المضيفين الكاثوليك على توفير مكان لصلاة العيد، وشكرهم على تلك اللفتة الأخوية، وناشد المصلين المسلمين التبرع بالأموال لترميم الكنيسة.

حدث لن يتكرر

صورة للتسامح انتهت ولن تتكرر، لأن غربان الخراب والفتنة صار صوتهم أقوى، ففي عام 1977 صدر مرسوم يحظر توفير الأماكن المقدسة المسيحية للخدمات الإسلامية في كاتدرائية كولونيا، وفي عام 2006 منع رئيس أساقفة كولونيا الاحتفال بأعياد الديانات الأخرى في المدارس الكاثوليكية، ومنذ ذلك الوقت لم تطرح مبادرات للتسامح على الإطلاق، حتى جاءت مبادرة تعليق “الزينات” الرمضانية أخيرًا، فهل يفتح ذلك باب التسامح مرة أخرى أمام مسلمي ألمانيا؟

لا أحد يستطيع الأجابة عن هذا السؤال في الوقت الحالي، لكن مع ازدياد عدد المسلمين في ألمانيا، الذي يقترب الآن من ستة ملايين، فإن هذه “الديمغرافية” في تركيبة السكان تفرض نفسها، وقد دعا الرئيس الألماني الأسبق كريستيان فولف، في تصريح مثير للجدل عام 2020، إلى اعتبار أن الإسلام جزء من ألمانيا. كما أنه من المهم أن يتفاعل خطاب الدولة الألمانية الرسمي مع مناسبات وأعياد المسلمين، حيث يقوم المستشار الألماني، ورئيس الدولة، ووزير الخارجية بتهنئة المسلمين رسميًّا بأعيادهم في التلفزيون الرسمي خلال كلمات موجهة إليهم.

إفطار جماعي في ميادين ألمانيا

ليس هذا فحسب، بل بدأت موضة الإفطارات الجماعية تنتشر في مدن ألمانيا الكبرى، مثل برلين وميونيخ وفرانكفورت وشتوتغارت، وتأخذ طابعًا عامًّا بمشاركة شخصيات عامة وسياسية وممثلين عن الكنائس. على سبيل المثال في ميونيخ نظمت البلدية عام 2022 إفطارا جماعيا كبيرا في أكبر ميادين المدينة “مارين بلاتس”، وقد حضره أكثر من ألف شخص، وتحدث فيه إمام مسجد “بيتسبرج” بنيامين إدريس، ودعا إلى التسامح الإنساني ونبذ التطرف ومعاداة الآخر.

ننتظر أن تنضم شوارع ميونيخ إلى الاحتفال بالشهر الكريم أسوة بفرانكفورت، خاصة أن ميونيخ والمدن البافارية الأخرى يعيش فيها أكثر من 600 ألف مسلم يمارسون عبادتهم بشكل منتظم، ويصلون في مساجدها.

المصدر : الجزيرة مباشر