العرب بعيون الصينيين لـ”البيزنس” بدون السياحة!

يلتقط السياح الصينيون صورًا للجزر التايوانية من مسافة كيلومترين خلال جولة بالقارب لمشاهدة الجزر، قبالة شيامن، في مقاطعة فوجيان جنوب شرقي الصين (الفرنسية)

رُبَّ ضارة نافعة..

تدفع الأزمة الاقتصادية المجتمع الصيني إلى الخروج بقوة من القوقعة التي فرضتها السلطات على البلاد لمدة 3 أعوام، أثناء انتشار وباء كوفيد- 19.

لم يتعاف الاقتصاد تماما من الأزمة، فما زال ينمو ببطء، وسط تراجع الوظائف ومستويات الدخل. تبدو المؤسسات الحكومية منشغلة بالبحث عن فرص استثمار في الخارج، وجذب المزيد منها إلى الداخل، لتعويض النقص الحاد في معدلات استثمار تراجعت إلى مستويات قياسية.

تلقي الحكومة مرساة سفينة الاقتصاد في المياه العربية أملا في توسيع مشروعاتها بالمنطقة وجذب دولها بعيدا عن منافستها اللدود الولايات المتحدة. تبدي الدول العربية رغبتها في التعاون مع الشركات الصينية، وتفتح الحكومات أبوابها وخزائنها للاستثمارات المشتركة دون شروط، رغم اللكمات التي تتلقاها من واشنطن، لدفعها إلى اقصاء رجال بيجين وشركاتهم من المنطقة، ليظل الشرق الأوسط تحت قبضتها، وفقا لما خططت له منذ الحرب العالمية الثانية ولأجل غير مسمى.

130 مليون سائح

تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، إذ تبدي الأجيال الجديدة في الصين عدم اهتمام بمنطقة الشرق الأوسط. فبعد أن كان السفر إلى مصر أو العراق والجزائر والمغرب حلما عظيما في عيون آباء جيل الألفية الجديدة، وأرضه موطأ قدم نحو بلاد الغرب، أصبح الشباب يبحثون عن راحتهم النفسية والأمان الشخصي لممارسة تجارب حياتية لم يعرفها الآباء ممن خبروا بلاد العرب، كطلاب ومبعوثين رسميين أو تجار شنطة وأصحاب شركات صغيرة.

أظهرت بيانات معهد أبحاث السياحة الصيني (Airbnb China) الصادرة الأسبوع الماضي، زيادة رغبة الصينيين في السفر، خلال العام الجاري، برحلات داخل البلاد وخارجها، رغم استمرار الضغوط الاقتصادية على المواطنين وخاصة من الطبقة الوسطى التي خسرت نحو 10% من قيمة أصولها المالية، بسبب فترة الإغلاق وتدهور الأسهم وتراجع سوق العقارات.

تشير الإحصاءات إلى رغبة 130 مليون شخص في السفر خارج الصين الأم عام 2024، بحثا عن الاسترخاء والراحة. تجاوز عدد المسافرين المحقق عام 2023 داخل البلاد 489 مليون مسافر و87 مليون سائح للخارج.

تتجه عيون الصينيين إلى المناطق الأكثر أمانا، وفقا لاستطلاع معهد الأبحاث. يفضلون الأماكن القريبة من الصين، والدول التي تمنحهم تأشيرة مجانية أو التي لا تشترط الحصول على تأشيرة سابقة، والمجتمعات التي تمنحهم فرصة الانغماس في أنماط حياتهم المحلية -دون تنمر- والتي لديها مناظر طبيعية وأطعمة محلية خاصة، ومتاحف ومبانٍ شهيرة. يستهدف المسافرون الإنفاق على شراء الأطعمة والهدايا التذكارية والملابس وأدوات التجميل، مع الاستعداد لإنفاق المزيد على المنتجات والخدمات المتميزة بأي ثمن.

في دائرة الخطر!

بيّنت التحليلات خروج الدول العربية من دائرة الدول العشر الأكثر أمانا في نظر الصينيين. حصلت هونغ كونغ وسنغافورة وسويسرا وأستراليا والمملكة المتحدة وكندا وفرنسا وتشيلي على أعلى المراكز.

جاءت مصر في مركز متأخر بنظر الصينين في معدل الأمان، بنسبة 35% من عدد المبحوثين بينما رأي 25% أنها آمنة، وبقي 41% في زمرة المحايدين. تتحسن الرؤية بالنسبة لدولة الإمارات، حيث صوّت 25% بأنها غير آمنة و42% محايدة و33% آمنة. جاءت السعودية في ترتيب أفضل إذ يراها 35% آمنة، و38% محايدة، بينما يرتفع معدل من يرونها غير آمنة إلى نسبة 28%.

نظرة المسافرين معاكسة لما نراه من تطور هائل لحركة التجارة والاستثمارات بين الصين والعرب التي تزيد بمعدلات تتراوح من 18% إلى 30% سنويا على مدار العقد الماضي، زادت وتيرتها بعد أزمة كورونا، وظهور بوادر انشقاق عربي على القيادة الأمريكية للمنطقة، مع دعمها بالمال والسلاح للعدوان الإسرائيلي على غزة وعمليات الإبادة الوحشية ضد الفلسطينيين.

يفضل الصينيون هذا العام -بالترتيب- زيارة كل من كوريا الجنوبية وتايلاند واليابان وسنغافورة وفرنسا وأيسلندا وماكاو وهونغ كونغ وأستراليا وماليزيا، مع وضع قائمة تضم 10 دول أخرى، في حالة قدرتهم على تكرار الزيارة، تأتي جزر المالديف على قمتها، ثم تايوان والدنمارك والولايات المتحدة وأيرلندا وألمانيا وروسيا والنمسا وإيطاليا والأرجنتين وسويسرا وبلجيكا وكوريا الشمالية وإسبانيا. يخطط 60.3% من المسافرين لزيارة دول أسيوية، و26.7% لأوروبا و4.8% للدول المطلة على المحيط الأطلنطي والقطب الشمالي، و3.3% أمريكا الشمالية، و2.4% أمريكا الجنوبية وتأتي دول البحر المتوسط في الذيل بنسبة 1.6%.

“فوبيا” أمريكا والشرق الأوسط

تُظهر استطلاعات الرأي وجود مخاوف لدى الصينيين من العودة بكثافة إلى الولايات المتحدة وكذلك لدول الشرق الأوسط، مع استمرار حالة الاضطراب السياسي التي زادت حدتها بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة، ومحاولة السفارة الإسرائيلية في بيجين توظيف أسر “حماس” لفتاة من أصل صيني في دفع الرأي العام الشعبي ضد العرب، عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لم تفلح إسرائيل في إقناع الشعب بحملاتها المضللة، بعد رؤيتهم للمجازر البشرية التي ترتكبها ضد الفلسطينيين العزل، وتحوّل الموقف الرسمي لصالح الحق العربي، وتأكيد السلطات أن الأسيرة مولودة في إسرائيل لأم صينية وتعمل بالجيش الصهيوني. تحسنت رؤية عموم الصينيين للعرب رسميا وشعبيا، مع ذلك زاد تخوفهم من زيارة المنطقة، فلم تحظ بمعدلات نمو تعيد إلى حركة السياحة الزخم السائد نفسه قبل أزمة كوفيد-19 الذي تعوّل عليه دول كمصر والإمارات والسعودية والمغرب أملا واسعا. توظف إسرائيل قدراتها الدعائية ضد الفلسطينيين والعرب على وسائل التواصل الاجتماعي داخل الصين وخارجها بدعم من الإعلام الغربي وعملائها.

تكشف بيانات مركز البحوث السياحية تأثر الصينيين بشدة بوسائل التواصل الاجتماعي وشبكات العلاقات الشخصية والاجتماعية. يتخذ 25% من المسافرين قرار السفر بتوصيات من الأصدقاء و24% بقادة الرأي الرئيسيين والبرامج التلفزيونية، ويحصل 52% من الراغبين في السفر على معلوماتهم عن وجهة السفر من موقع Xiaohongshu و43% من Douyin و37% من Ctrip و26% من Weibo و23% من WeChat، وهي منصات محلية ما زالت الدول العربية تتجاهل التعامل معها أو لا تعرفها على الإطلاق.

شكّل جيل الألفية (Z) نسبة 23% من أعداد المسافرين إلى الخارج العام الماضي، ويُتوقع ارتفاع أعداد الراغبين في السفر منهم خلال الفترة المقبلة، متأثرين بما يرونه على موقعَي Tik Tok وBiliBli، اللذين يوفران معلومات عن الرحلات الأكثر سهولة والأقل تكلفة، التي تمنحهم روح المغامرة، وتقدّم لهم ثقافات وأطعمة فريدة.

المصدر : الجزيرة مباشر