رغم خسارة الانتخابات البلدية أردوغان وحزبه فائزان!

الانتخابات البلدية في تركيا (الأناضول)

 

لأول مرة منذ تأسيسه عام 2001 يتراجع حزب العدالة والتنمية عن صدارة نتائج الانتخابات التركية، بعد أن كان الفوز حليفًا له في الاستحقاقات الانتخابية كافة التي خاضها، بفوارق كبيرة عن المعارضة، التي كانت أحزابها “تلهث” محاولة اللحاق به، وفرملة نجاحاته بقيادة الرئيس أردوغان.

مقارنة مع استحقاقات سابقة

رغم أن الانتخابات المحلية تتعلق أساسًا بالبلديات، والأصل أن التصويت في هذه الانتخابات عادة ما يكون للمشروعات والبرامج والإنجازات المحققة في المجالات المختلفة خدميًا وعمرانيًا، ويتم التركيز فيها على اختيار الكفاءات، إلا أن الوضع في تركيا يتجاوز ذلك، حيث أصبح الصراع الحزبي والبعد الأيديولوجي حاضرين بقوة في المشهد الانتخابي.

بالرجوع قليلًا إلى الوراء بداية من انتخابات البلديات في 2014، سنجد أن تركيا كانت تعيش خلال هذه الانتخابات تطورات دراماتيكية داخلية، منها على سبيل المثال: معركة مفتوحة مع حركة غولن، وكذلك تداعيات ما جرى في تقسيم و”جيزي بارك” في إسطنبول، وقد كانت هذه الانتخابات مصيرية من وجهة نظر الأحزاب المتنافسة، الذي زاد الصراع بينها حول كيفية تحديد سياسة الحكومة في الداخل واتجاه الخارج.

وقد استطاع حزب العدالة والتنمية الفوز بانتخابات 2014، بنسبة 45.5% من إجمالي أصوات الناخبين، بفارق كبير عن حزب الشعب الجمهوري، الذي حصل على نسبة 29.5% محتلًا المركز الثاني، وقد كانت نسبة المشاركة للناخبين 100%.

وفي انتخابات البلديات 2019، حصل حزب العدالة والتنمية على المركز الأول بنسبة 44.3%، بينما حصل حزب الشعب الجمهوري على المركز الثاني بنسبة 30.1%، وبلغت نسبة مشاركة الناخبين 84.7%.

وفي انتخابات 2024، حصل حزب العدالة والتنمية على 35.5%، متراجعًا بذلك للمركز الثاني، لصالح حزب الشعب الجمهوري، الذي تقدم للمركز الأول بنسبة 37.8%، وقد بلغت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات 78.6%، وهي نسبة أقل بكثير مقارنة بالاستحقاقات الانتخابية السابقة، ما يعني أن كتلة تصويتية كبيرة مرجحة لحزب العدالة والتنمية أحجمت عن التصويت في هذه الانتخابات، وتشير التقديرات إلى أن العامل الاقتصادي والمتعلق بالتضخم غير المسبوق، إضافة للموقف من الحرب الإسرائيلية على غزة، يقفان وراء هذا الإحجام، وهو ما أحدث فارقًا في نسبة الحزب.

هل كان تقدم المعارضة مستحقًا؟

نتيجة صادمة، وفوز ساحق، وهزيمة مدوية، وخسارة كبيرة، وغيرها من العناوين المشابهة، التي دارت بين التهويل والتضخيم والمبالغة، هكذا كانت التعليقات المتصدرة حول نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة في تركيا، وفوز حزب الشعب الجمهوري، أكبر الأحزاب المعارضة، وتقدمه لأول مرة على حزب العدالة والتنمية، الحاكم.

بعد ما يزيد عن عقدين، حققت المعارضة التركية تقدمًا كبيرًا على حزب العدالة والتنمية الحاكم، وهو ما حدث في الانتخابات البلدية الأخيرة، التي جرت في 31 مارس/آذار 2024، حيث تصدر حزب الشعب الجمهوري، متفوقًا للمرة الأولى على حزب العدالة والتنمية الذي حل ثانيًا، وعلى الأحزاب الأخرى كافة.

لا يمكن القول إن تراجع حزب العدالة والتنمية كانت نتيجة فوز مستحق لحزب الشعب الجمهوري، ولكن الواضح أن التصويت العقابي والامتناع عن التصويت، كانا عاملين أساسيين أسهما في تقدم حزب الشعب الجمهوري، وتراجع حزب العدالة والتنمية الحاكم، ويقف وراء ذلك أسباب مختلفة في مقدمتها الحالة الاقتصادية، إضافة لأسباب سياسية، وغيرها.

وقد أرسل الناخبون خلال هذا الاستحقاق الانتخابي رسالة واضحة للرئيس أردوغان وحزبه تتعلق بالمسار الحالي، الذي يحتاج من الحكومة إعادة النظر فيه، تجاوبًا مع تطلعات الناخب التركي، خاصة ما يتعلق بالجانب الاقتصادي.

إضافة إلى ذلك، بدا واضحًا أن الائتلاف المعارض “طاولة الستة” في الانتخابات السابقة ما زال قائمًا، ولكن غير معلن في هذه الانتخابات، رغم انسحاب الأحزاب من التحالف، وقد أزال هذا التحالف غير المعلن الحرج عن كثيرين إزاء تحالف حزب “المساواة والديمقراطية للشعوب” الموالي للعمال الكردستاني، مع حزب الشعب الجمهوري، مما سمح لهم بالتصويت لصالح الأخير، بعيدًا عن الهوية والانتماء الحزبي، كما ذهب في الوقت نفسه جزء كبير من الأصوات الكردية لصالح الشعب الجمهوري.

ومن خلال قراءة نسب التصويت للمعارضة، فقد بدا واضحًا تراجع التصويت لمرشحي أحزاب المعارضة في العديد من المناطق مقارنة بالانتخابات السابقة، باستثناء الشعب الجمهوري والحزب الكردي، حيث ذهبت أغلب أصوات المعارضة لمرشحي الشعب الجمهوري رغبة في منع حزب العدالة والتنمية من الفوز في هذه الانتخابات.

وقفة لا بد منها

لا شك أن التراجع غير المسبوق في نسبة الأصوات الحاصل عليها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية الأخيرة كان مفاجأة للجميع، بما فيها حزب الشعب الجمهوري، الفائز بالمركز الأول، خاصة أنه لم يمر عام على الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي تحققت فيها نتائج مختلفة بالكلية.

طوال مسيرته كان العدالة والتنمية في المقدمة، غير أنه في كثير من الأحيان قد يحتاج من يسير دومًا في المقدمة إلى الرجوع للخلف والاستدارة ليرى ما غاب عنه ولا يمكنه رؤيته إلا إذا رجع للخلف، ولذلك قد يكون هناك حاجة للجلوس مرة في المقعد الخلفي لمشاهدة الصورة الكلية التي لا يمكن مشاهدتها من المقاعد الأمامية، ولا يختلف هذا الأمر في عالم السياسة والحكم.

أحيانًا قد تكون منحة القدر لك أن تتذوق طعم الخسارة مرة بعد أن أدمنت الفوز فأخذتك نشوته وسكرته، فتقاعست وتراجعت عن كثير من عوامل الفوز التي كنت حريصًا عليها من ذي قبل، فيكون ذلك بمثابة جرس إنذار، وهكذا الحال في الحياة السياسية، وهذا ما قدمته الانتخابات الأخيرة لحزب العدالة والتنمية، وللرئيس أردوغان.

 

المصدر : الجزيرة مباشر