عصام العطار.. فارس الدعوة النبيل

الشيخ عصام العطار (منصات التواصل)

توفي المفكر والأديب الكبير الأستاذ عصام العطار، الذي لم يقف عطاؤه عند موطنه سوريا، بل امتد إلى وطنه العربي، والعالم بقاراته المختلفة. والرجل الذي اشتهر بين الناس، بوقوفه ضد الظلم في سوريا، منذ بداية الانقلابات العسكرية وطوال عهد حافظ الأسد، ووصل العداء إلى استهداف العطار أكثر من مرة، لكن الله تعالى كتب له النجاة من ذلك، وإن لم يسلم منه أقرب الناس إلى قلبه: زوجته، السيدة بنان علي الطنطاوي، ابنة العلامة الفقيه الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله.

ظل اسم عصام العطار مرتبطا في أذهان الناس بالجانب السياسي، والجانب النضالي ضد الظلم في سوريا، وغاب عنهم جانب آخر هو أبرز ما تميز به الرجل، وهو نبل أخلاقه، الذي ترجم في كل مواقفه، سواء السياسية، أو الدعوية، أو الإنسانية.

أبيات للقرضاوي في مدح آل العطار وندى

هذا النبل السامي، والخلق الدمث من العطار، جعل له مكانة عالية من الحب في قلوب العلماء والدعاة، فمن يقرأ دواوين شيخنا القرضاوي، لن يجد فيها قصيدة تتعلق بمناسبة اجتماعية لأحد، سوى مناسبة تتعلق بعصام العطار، ويوسف ندا، حين تزوج أيمن عصام العطار حنان يوسف ندا، ودُعِي القرضاوي إلى العرس في لوجانوا بسويسرا، وقد قام أحد الدعاة متحدثا بما هو مشهور لدى الإسلاميين، بالحديث عن الملاحم، والصبر والثبات، والمواعظ، فتكلم القرضاوي فقال إن المجال مجال عرس، وليس مجال خطب، وإن هذا العرس جمع بين نهر النيل بمصر ونهر بردى بسوريا، وجادت قريحته بأبيات منها:

قم فحي العطر وافاه الندى         قم فحي النيل لاقى بردى

قم فحي الأموي اليوم قد          عانق الأزهر واتحدا

قم فهنِّ اليُمن لاقاه الحنان        فهما في حفظ ربي أبدا

الفصيح النبيل

كان العطار خطيبا مفوها، وأديبا من الطراز الأول، يقرض الشعر، ويتحدث نثرا بلغة أدبية رفيعة عالية، تسحر سامعيه، وقد سمعته يلقي كلمة سنة 2004م في لندن عند تأسيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وكانت كلمة على السجية، فكانت غاية في الروعة الأدبية، حتى انبهر أحد الحاضرين من المفكرين الشباب، فقال: يا الله، إذا كان هكذا في سنه الكبير، وقد وهن عظمه، وارتعشت يده، وبطؤ حديثه، فكيف كان في ألق الشباب؟!

ومع ذلك كان الرجل مع هذه النفحة الأدبية لغة، كان أدبا وخلقا ونبلا يتحرك، فقصة خروجه من سوريا، وقد كان مراقبا عاما للإخوان هناك، وهو منصب يقترب من منصب المرشد العام في مصر، وعند خروجه حدث خلاف بين الإخوان السوريين، هل يكون المسؤول عنهم خارج البلاد، أم لا بد من مسؤول من داخل سوريا؟ وحدث بسبب هذا الخلاف انشقاق، كعادة الإخوان السوريين فيما بعد للأسف.

ومع ذلك، رغم أنه أصبح تاريخا في القيادة، ورغم ما تعرض له من محن شديدة، بلغ به نبله، أنه لم يحمل ضغينة على من انقسموا عليه، بل رأيته عام 2004 في لندن، وقد جاء مراقب الإخوان وقتها الأستاذ علي صدر الدين البيانوني، فقام بتقديمه لنا بقوله: الأستاذ البيانوني مراقبنا العام الحالي، ورد البيانوني الأدب بأدب مماثل قائلا: والأستاذ عصام مراقبنا الدائم.

دعاؤه لزوجة الأسد بالشفاء من السرطان

ورغم أن مخابرات حافظ الأسد ذهبت إلى ألمانيا بقصد اغتياله فلم تجده ووجدت زوجه فاغتالتها، ومع ذلك حين أعلنت الأخبار إصابة السيدة أسماء الأسد زوج بشار الأسد بسرطان الثدي، تلك العائلة التي بينها وبين العطار دم، ومحاولات لقتله أكثر من مرة، وعداء مرير، فإنه دعا لها بالشفاء، وهو أمر لا يمكن لكثير من الناس أن يفعله، وليس النموذج الذي نطالب به الناس، لكنه يظل من نماذج النبل، والتعالي على الأمور الشخصية، ولو كانت تتعلق بحق عام.

رغم حزنه الشديد الذي ظل حتى وفاته يتجرع مرارته، جراء استشهاد زوجه، التي لم يتزوج بعدها، وظل على ذكراها، وكثيرا ما قرض الشعر في وداعها باكيا، تنساح الدموع على وجنتيه، ثم ودع بعد ذلك حفيدة له رزقت الذكاء، وملكة الشعر والأدب والفكر، وتوفيت شابة، فكتب رسالة أبكت من قرؤوها جميعا، ورغم غربته ما يقرب من نصف قرن أو يزيد خارج وطنه؛ فإنه كان نبيلا حتى مع خصومه رغم مواجهته لجرائمهم، لكنه رأى المرض ليس مجالا للتشفي، وبخاصة مع سيدة ليس بينه وبينها موقف شخصي، وإن كان زوجها ووالد زوجها قد مارسا الإجرام بكل صوره.

رحم الله الأستاذ عصام العطار، الذي كان له من اسمه كل نصيب، فقد كان عصاميا في حياته، شهما في مواقفه، ونبيلا في أخلاقه، وإن ترك بعض العطاء الأدبي والفكري، فإن ما ترك من عطاء خلقي سيظل موضع ذكر وترحم عليه، فقد كان نموذجا عزيزا في هذا الزمن، وكل من قابله أو عاشره له معه مواقف تذكر ولا تنسى، سواء عند البشر، أو عند خالقهم سبحانه وتعالى، تثقل ميزان حسناته.

المصدر : الجزيرة مباشر