رئيسي بين القضاء والقدر والحوادث المدبَّرة

جنود إيرانيون يسيرون أمام الرئيس إبراهيم رئيسي خلال عرض عسكري ضمن احتفال بمناسبة يوم الجيش السنوي بالعاصمة طهران في 17 إبريل 2024 (الفرنسية)

تظل الحوادث الغامضة للقادة السياسيين والزعماء محل بحث ومثارا للجدل والتفسيرات الكثيرة خاصة إذا جاءت هذه الحوادث في المناطق المشتعلة سياسيا وعسكريا، وقد جاء حادث وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته وسبعة من مرافقيه إثر سقوط وتحطم طائرته العائدة من أذربيجان الشرقية ليفتح المجال أمام تساؤلات كثيرة عن الحادث وملابساته.

رغم وضوح الرواية الإيرانية حتى الآن عن سقوط الطائرة وتحطمها ومقتل جميع ركابها البالغ عددهم تسعة بينهم رئيسي والوزير وعدد من المسؤولين، التي أرجعت الحادث إلى ظروف الطقس والجو، فإن هذا التفسير في ظل صراع المنطقة والحرب الدائرة على غزة لم يزد الأمور إلا تشابكا وزاد من الاحتمالات بشأن طبيعة الحادث المأسوي الذي راح ضحيته الرئيس الذي لم يكمل فترة رئاسته الأولى، فقد تولى إبراهيم رئيسي (63 عاما) الحكم منذ ثلاث سنوات فقط.

يتمتع الرئيس الإيراني الثامن بعد الثورة الإيرانية بسمعة طيبة داخل الأوساط الإيرانية خاصة بعد معركته الانتخابية التي خاضها بشرف، وكان مثالا للقاضي والسياسي المحترم الحاصل على درجة الدكتوراه في الفقه والمبادئ في الحقوق الخاصة، كما أنه صاحب مواقف سياسية تلتزم بمعايير الأخلاق، إضافة إلى موقف إيران المحترم خلال فترة رئاسته من القضية الفلسطينية.

مبررات “الحادث المدبَّر والاغتيال”

إيران الدولة الداعمة الأولى لمحور المقاومة العربية خاصة في لبنان والعراق واليمن، وموقفها من المقاومة الفلسطينية خاصة قبل طوفان الأقصى وبعده الداعم للمقاومة الفلسطينية لا يخفي على أحد، بل يمكن القول إن إيران هي الداعم الأكبر والأقوى لكل محور المقاومة في المنطقة العربية. ويتجلى الدور الإيراني في أن كل مناطق الصراع الفلسطيني الصهيوني تتمتع بعلاقات استراتيجية مع إيران، من حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، والمقاومة الإسلامية في العراق، وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وباقي فصائل المقاومة في غزة والضفة الغربية.

كل هذا الدعم جعل إيران العدو الرئيسي للكيان الصهيوني في المنطقة، فضلا عن عداء مستحكم مع الولايات المتحدة الأمريكية منذ الثورة الإسلامية في إيران (يناير/كانون الثاني 1979)، فضلا عن الحصار الأمريكي على الجمهورية الإسلامية منذ سنوات طويلة الناتج عن ما تحققه إيران من تقدم نحو امتلاك الأسلحة النووية، هذا العداء المستمر للكيان الصهيوني وراعيته الولايات المتحدة تجاه إيران وحلفائها يجعل مبررات تدبير حادث الرئيس الإيراني محل جدل.

كان الصراع بين الجمهورية الإيرانية والكيان الصهيوني قد بلغ ذروته الشهر الماضي حينما هاجمت إيران الكيان بأكثر من 300 طائرة مسيّرة، ووصلت الطائرات الإيرانية إلى عمق الأراضي المحتلة، وحلقت فوق الكنيست، والمسجد الأقصى.

كانت تلك الهجمات ردا على الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق الذي راح ضحيته عدد من الدبلوماسيين الإيرانيين، كما أن هناك العديد من حوادث الاغتيال لقادة إيرانيين تشير أصابع الاتهام فيها إلى الكيان الصهيوني وعملائه، أبرزها عملية اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني في يناير 2020.

كانت بعض المناطق الإيرانية قد تعرضت لهجوم منذ ثلاثة أسابيع، ولم تشر وسائل الإعلام إلى نتائج ملموسة لهذا الهجوم، واقترب الهجوم من المفاعل النووي الإيراني، ورغم ضعف نتائج الهجوم فقد أشارت أصابع الاتهام إلى الكيان الصهيوني ردا على هجوم إيران على تل أبيب والقدس، مما يزيد من احتمال أن حادث الرئيس الإيراني ومرافقيه قد يكون من تدبير إسرائيل.

يزيد من هذه الاحتمال لدى أصحابه ما يقال عن استطاعة الموساد الإسرائيلي تجنيد الكثير من العملاء في أذربيجان وداخل الدولة الإيرانية على مدار سنوات طويلة، وهو ما يسهّل للكيان القيام بعمليات اغتيال لكثير من العسكريين الإيرانيين وبعض قادة المقاومة في لبنان، وقادة المقاومة الفلسطينية في بيروت والجنوب اللبناني.

حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة وصمود المقاومة الفلسطينية وإنجازاتها في الأسبوعين الأخيرين خاصة بعد الهجوم على رفح وبطولات المقاومين في جباليا وخان يونس ورفح، واعتبار الكيان الصهيوني أن الجمهورية الإسلامية هي أكبر داعم للمقاومة الفلسطينية، يزيد من احتمال كون حادث الرئيس الإيراني له أبعاد سياسية من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل، بغرض إلهاء إيران قليلا عما يحدث في فلسطين وغزة.

القضاء والقدر

ما يجعل البعض يفكر في أن يكون حادث وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان ومرافقيه قضاء وقدرا هو حالة طائرة الرئيس، الطائرة المنتجة أمريكيا عام 1973، أي أنها قد تكون من ميراث جمهورية محمد رضا بهلوي شاه إيران السابق، الطائرة استخدمها كل رؤساء الجمهورية الإسلامية قبل رئيسي، أي أنها مستهلَكة، وهذا يجعل طائرة الرئيس عرضة للخلل الهندسي بدرجة كبيرة.

استخدام طائرة بهذا التاريخ والقدم يطرح تساؤلات منها: لماذا لا تقوم إيران بشراء طائرة حديثة تُستخدم للرئاسة خاصة مع التقدم الكبير للجمهورية الإسلامية في مجال إنتاج الأسلحة والطائرات العسكرية؟ أيضا كيف لرئيس الجمهورية أن يتحرك منفردا هكذا بلا طواقم خدمة أو حراسة، ودون طائرات مرافقة.

الصديق الإعلامي عاصم بكري هو أحد الإعلاميين الذين عملوا في إيران سنوات عديدة، واستطاع أن يتعرف على طبيعة المسؤولين في الجمهورية الإسلامية من خلال تعامله معهم وتقديمه أحد أهم برامج التلفزيون هناك، وقد كتب على صفحته في فيسبوك تفسيرا قد يكون صحيحا لحالة طائرة الرئيس، قائلا “قابلت كبار الوزراء الإيرانيين، وكان الوزير منهم يأتي إلى الاستوديو بلا حراسة وبلا طنطنة وبلا أية زخارف سلوكية متكلفة، ولمّا كثرت ملاحظاتي على هؤلاء المسؤولين الكبار، سألت: كيف ولماذا؟ فكانت الإجابة: إنه منهج الإمام الخميني استمده من سيرة الرسول”، هذا التفسير قد يساعد في فهم لغز طائرة رئيسي المتواضعة التي قد تكون سببا في الحادث.

الحالة الجوية التي صاحبت حادث الرئيس الإيراني ومرافقيه قد تكون أحد الأسباب التي أدت إلى وفاة جميع ركاب طائرة رئيسي، وقد تكون حالة الجو قد تسببت في بعض الأعطال للطائرة، ولم يستطع قائدها ومساعدوه السيطرة عليها والتحكم في مسارها، مما أدى إلى اصطدامها وتحطمها في هذا الحادث المأساوي. وكانت حالة الطقس ليلة الحادث سببا في تأخر وصول طواقم الإنقاذ والإغاثة إلى الطائرة المحطمة، مما أفقدها القدرة على إنقاذ أي من ركاب طائرة الرئيس الإيراني ومرافقيه.

ويظل الحادث الكبير عرضة للتفسيرات المتعددة، وتظل خباياه خفية فترة من الزمن، ربما يخرج علينا أحد الأطراف ليكشف اللغز، وربما يظل المحللون يبحثون عن أسرار الحادث. أيضا يظل جدل فارغ يملأ فضاءات الوطن العربي بشأن الترحم على رئيسي ومرافقيه أم لا، ولكن يظل موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية من القضية الفلسطينية ومحور المقاومة، وعداؤها للكيان الصهيوني هو أهم ما يقيمها في عقلي وقلبي، ولا أخفي عليكم أنني منذ خبر سقوط طائرة رئيسي انتابني شعور بالحزن والاكتئاب، وأصاب قلبي ثقل كبير، ولا يزال!

المصدر : الجزيرة مباشر