هل حققت نظرية الجدار الحديدي الأمن للكيان الإسرائيلي؟

المستوطنون يواصلون اقتحام المسجد الأقصى (رويترز - أرشيف)

في الوقت الذي يجرم فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين في حال ضبط أي سكين بحوزتهم، حتى لو كان سكين فواكه أو مقصًّا صغيرًا في حقيبة امرأة، يحمل الجنود والمستوطنون المدنيون الأسلحة الرشاشة طوال الوقت كما يحملون هواتفهم المتحركة، استعدادًا للانقضاض على أي فلسطيني بزعم الاشتباه في تنفيذه عملية إرهابية، وفي أحيان كثيرة يتم إلقاء سكين بجانب جثة الفلسطيني بعد قتله لتبرير الإعدام المباشر، من دون محاسبة.

هذا بالضبط ما تبدو عليه دولة الاحتلال، لتظن أنك داخل ثكنة عسكرية وليس دولة، ومردّ ذلك هو شعور الإسرائيلي الدائم بعدم الأمان والتحصن ضد أي تهديد حتى لو كان وهميًّا، إنه فزع داخلي يشبه رعب من يقتحم شقة ويظل متحفزًا لأي صوت، لعلمه أنه سارق وحياته مهددة من صاحب البيت.

نظرية الجدار الحديدي.. الأمن مرتبط بحمل السلاح

ولعل دولة الاحتلال الإسرائيلي تعتبر الكيان الوحيد على وجه الكرة الأرضية الذي يطبق نموذج “كل الشعب جيش”، هذا النموذج الذي اعتمدته إسرائيل منذ احتلالها أرض فلسطين، جاء وفقا لمبادئ وضعها الأب الروحي لليمين الإسرائيلي أو ما يطلق عليه “زعيم الحركة التصحيحية الصهيونية” زئيف جابوتنسكي (1880-1940)، ونشرها في مقالتين باللغة الروسية عام 1923 بعنوان “الجدار الحديدي” وأصبحت فيما بعد قانونًا تطبقه الحكومات الإسرائيلية إلى يومنا هذا.

النموذج الذي يبدو غريبًا نوعًا ما، جعل جيش الاحتلال الإسرائيلي في المرتبة الـ18 في جيوش العالم من حيث القوة، فمنذ احتلال فلسطين شرع ديفيد بن غوريون في تنفيذ نظرية “الأمن الحديدي”، تلك النظرية التي تعتمد على القوة العسكرية والتجنيد لكل الشعب ما عدا الحريديم، وهي نظرية تبررها العقلية الصهيونية بوجود الكيان في إقليم عربي يحيط به من كل جانب، الأمر الذي يستوجب الإعداد بشكل مستمر لأي سيناريو محتمل، فضلًا عن ما يشكله وجود المواطن الفلسطيني على أرضه من تهديد حتى لو كان طفلًا لا حول له ولا قوة.

ووفقًا لهذه النظرية “الجدار الحديدي”، فإن الأمن مرتبط بحمل السلاح وزرع العقيدة القتالية لدى جميع الإسرائيليين، إذ تفرض هذه السياسة التجنيد الإجباري على النساء والرجال مدة ثلاث سنوات، ليصبحوا من الاحتياط الذي يمكن استدعاؤه في أي وقت، كما يحمل المستوطن السلاح في كل مكان، ويتحفز لأي تهديد حقيقي أو وهمي، ليقتل.

هذه النظرية التي تسعى إلى تحصين الإسرائيلي وكأنه درع حديدي لا يمكن اختراقه، تعمل على زرع الخوف في الفلسطيني ليشعر باليأس من محاولة المواجهة في ظل عدم تكافؤ القوة. وقد شرحها جابوتنسكي في مقاله عندما قال: “لن نسعى للوصول إلى اتفاق مع الفلسطينيين ما دام لديهم بصيص أمل في التخلص منّا، لذلك لا بد من استخدام كل وسائل القوة الذاتية العسكرية والمادية والدولية لإخضاع الفلسطينيين، وإن لم تنجح القوة العسكرية والمادية فسينجح مزيد من القوة حتى يفقد الفلسطينيون أي أمل في القدرة على المواجهة”.

ولفرض هذه النظرية أيديولوجيًّا، ركزت الدعاية الصهيونية وخلفها الغربية منذ عام 1948 على تأسيس مبدأ التفوق العسكري الإسرائيلي وتكراره أمام العرب، وعملت أمريكا على دعم هذا المبدأ من خلال التسليح اللامتناهي واللامحدود لهذا الكيان، كل ذلك لتحقيق ما يكفي من الردع لأعداء إسرائيل، حتى أصبح مجرد التفكير في أي هجوم على إسرائيل يعدّ ضربًا من الجنون وطريقًا إلى التهلكة، وتم تأكيد هذا المبدأ حتى ظن البعض أن هزيمة إسرائيل تحتاج إلى معجزات وكأن هذا الكيان أسطورة من أساطير القوة التي لم يأت بها التاريخ البشري.

ولعل مصطلح “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” الذي أصبح يكرره الصهاينة والداعمون لهم، يعد من المصطلحات التي يراد بها تحقيق الردع، ليصبح حقًّا إسرائيليًّا بامتياز، يمكنها من خلاله ليس فقط الدفاع عن نفسها وقت الحروب، وإنما الهجوم على أعدائها وقتما تشاء لمجرد أنها تشعر بالتهديد.

التهرب من التجنيد مشكلة متجددة لدى الاحتلال

وبالرغم من حرص دولة الاحتلال على تطبيق مبدأ “كل الشعب جيش” فإن التهرب من التجنيد والخدمة العسكرية يشكل معضلة كبيرة ومتكررة لدى الجيش، إذ نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عام 2019 تقريرًا كشفت فيه أن كل أربعة إسرائيليين في سنّ الخدمة العسكرية، يتهرب أحدهم من التجنيد، وأن المؤشرات الإحصائية لعام 2019 لقسم القوى البشرية التابع للجيش الإسرائيلي أشارت إلى أن 12600 من الشباب الذين هم في سنّ التجنيد يتجهون إلى التدين أو إلى طرق أخرى للتهرب من الخدمة العسكرية.

أما مرتكزات نظرية الأمن الإسرائيلي فتعتمد على ثلاثة أمور هي: الردع، والتفوق الاستخباري، والحسم السريع. وهو ما سبّب عدم قدرة إسرائيل على خوض معركة طويلة حتى الآن في أي من الحروب التي خاضتها، إذ دائما ما كانت تسارع إلى استجداء القوى الغربية وعلى رأسها أمريكا لإنقاذها بقلب النتيجة لصالحها وتحقيق حسم سريع.

الجدار الحديدي أصبح حائطًا من ورق أمام هجمات المقاومة

كل هذه المرتكزات التي سعت دولة الكيان إلى تطبيقها لتحقيق الأمن لمواطنيها والردع لأعدائها، فشلت في السابع من أكتوبر وسقطت النظرية في قاع مظلم، كاشفة عن ضعف حقيقي، إذ كشف الهجوم عن فشل استخباري غير مسبوق منذ عام 1973، وفشل في الردع وفشل في صد الهجوم.

لقد بدد السابع من أكتوبر وما تلاه من عمليات نوعية للمقاومة في غزة والضفة، أوهام الأمن لدى الإسرائيليين وأحيا لديهم من جديد هاجس الزوال، وكابوس اللاوجود، ومسح كل المخططات التي يسعى لها الكيان لفرض سيطرته على الفلسطينيين واستسلامهم للأمر الواقع، فالجدار الحديدي لم يكن إلا حائطًا من ورق.

هذا الفشل يفسر لماذا قال نتنياهو عقب الهجوم بساعات، إن السابع من أكتوبر هو الأفظع في التاريخ اليهودي بعد المحرقة، وإن هذا اليوم سيبقى يومًا أسود في تاريخ شعب إسرائيل.

المصدر : الجزيرة مباشر