قراءة الواقع بخيال الثوار مقدمة لبناء المستقبل!

أبو عبيدة، المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام (رويترز)
أبو عبيدة المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام (رويترز)

بناء المستقبل يحتاج إلى قراءة للواقع بخيال سياسي وعلمي يكتشف نذر الخطر، لتستعد الشعوب لمواجهتها، والبحث عن مصادر القوة، واستخدامها في مواجهة التحديات.

وكان من أسباب ضعف الأمة أن أنصاف الجهلاء ركزوا طوال العقود الماضية على تصوير ما يملكه الغرب من أسباب القوة، فأثاروا الخوف واليأس والإحباط في النفوس، وبرروا للشعوب العجز والاستسلام والخضوع والوهن.

وعبيد الواقع تجمد تفكيرهم؛ فلم يتصوروا أن الواقع يمكن أن يتغير؛ فأصبحوا عبيدا لهذا الواقع، وكانت تلك العبودية من أهم أسباب الضعف والتخلف.

واقعية ثورية.. لماذا؟!!

إن بداية الطريق لبناء المستقبل هو أن نحرر شعوبنا من القراءة الزائفة المتحيزة للواقع، وأن نطلق خيالنا لنرى الكثير من الحقائق التي توضح أن العالم يشهد عملية تغيير يمكن أن توفر لنا الكثير من الفرص.. فالعبودية للواقع تُعمي الأبصار والقلوب.

لقد أغرقنا عبيد الواقع في تصوير المخططات الأمريكية لبناء شرق أوسط جديد تسيطر فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي على المنطقة.. لكنهم لم يحاولوا طرح أسئلة جديدة من أهمها: هل ستنجح أمريكا في تحقيق هدفها؟!

من الطبيعي أن تخطط أمريكا، وتستخدم كل الوسائل لفرض الخضوع على الشعوب.. لكن ما احتمالات فشل هذا المخطط؟!

وكيف يمكن أن تكافح الشعوب لإسقاطه، وانتزاع حريتها؟!

لذلك تحتاج الشعوب إلى واقعية ثورية تقرأ الواقع برؤية جديدة، فأمريكا تمتلك الكثير من مصادر القوة، لكن ذلك لا يعني أنها تستطيع السيطرة على شعوب تحلم بالحرية، ويمكن أن تقاوم وتنتفض وترفض الخضوع.

رأي عام عالمي جديد

هل يشاهد عبيد الواقع ما يحدث الآن في أمريكا؟ إن جيلا جديدا يتشكل الآن يرفض تحيز أمريكا لإسرائيل، ويحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية المذابح التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي، ويطالب بإجبار إسرائيل على وقف الحرب، وهتافات هذا الجيل بحرية فلسطين تهزّ دوائر الحكم في أمريكا التي أصابها الاضطراب، وفقدت القدرة على التعامل مع أحداث لم تكن تتوقعها، فالمظاهرات تمتد إلى أوروبا، ويمكن أن يشارك العمال في هذه الاحتجاجات، وهذا يعني أن هناك إمكانيات لتشكيل رأي عامّ عالمي ضد العدوان الإسرائيلي على غزة كما حدث في حرب فيتنام.. ألا يشكل ذلك بداية تغيير عالمي؟

ويمكن أن نلاحظ أن هذا الرأي العام العالمي يتشكل بالرغم من تحيز النظام الإعلامي العالمي لإسرائيل، وإخفاء وسائل الإعلام حقائق عمليات الإبادة والتطهير العرقي، وتدمير المدارس والجامعات والمستشفيات، التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة.. فماذا يعني ذلك؟!

ثورة الاتصال تشكل واقعا جديدا!

كانت السيطرة على النظام الإعلامي العالمي أهم مصادر قوة الولايات المتحدة الأمريكية، فقد استخدمت هذا النظام لفرض استعمارها الثقافي على شعوب دول الجنوب الفقيرة، كما استخدمت دولة الاحتلال الإسرائيلي هذا النظام للترويج لروايتها التي تقوم على مظلومية الشعب اليهودي، ومعاداة السامية والهولوكوست والأرض الموعودة، وعبقرية اليهود والكثير من الخرافات العنصرية.. فكيف حصل الجيل الجديد في أمريكا وأوروبا على حقائق تتحدّى تلك الخرافات العنصرية، وتشكل صدمة للضمير الإنساني.

إن ثورة الاتصال وفّرت للشباب إمكانيات جديدة للحصول على مضمون بديل يتحدى تحيز وسائل الإعلام الغربية، والشباب هم الأكثر قدرة على استخدام الإعلام الجديد؛ الذي يمكن أن تستخدمه الشعوب لتبادل المعرفة، ونقل الحقائق.

وهذا الجيل الأمريكي الجديد فقد الثقة في وسائل الإعلام التي كذبت عليه كثيرا، فأصبح يبحث عن الحقائق ويتبادلها، فثار ضد الزيف والظلم واستخدام القوة الغاشمة في التطهير العرقي والإبادة.

عصر جديد بدأ!

هذا يعني أن العصر الجديد يوفر الكثير من الفرص للشعوب لنقل المعرفة وتصوير الأحداث، وتقديم روايات جديدة، وأن كل شاب يمكن أن يقوم بدور فعال في عملية تغيير عالمي واسع، يتحدى ثقافة الخضوع للقوة الغاشمة.

لذلك يجب أن يطلق الثوار خيالهم لتقديم قراءة جديدة للواقع تكتشف تلك الفرص، ومن أهمها تشكيل رأي عام عالمي يرفض الاستكبار الأمريكي واستخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي للأسلحة الأمريكية في إبادة الشعب الفلسطيني.

كما أن المقاومة الفلسطينية استطاعت أن تكسب إعجاب الجيل الجديد بصمودها وإصرارها على تحرير أرضها.. فلم يعد هناك صاحب ضمير يمكن أن يؤيد العدوان الإسرائيلي، وهو يشاهد إبادة الأطفال والنساء.

خيال الأحرار ينطلق!

عندما نطلق خيالنا يمكن أن نرى حقيقة مهمة هي أن الأحرار في كل العالم أصبحوا يتطلعون إلى نموذج الكفاح، الذي قدمته المقاومة الإسلامية في غزة.. فهناك الكثير من حركات التحرر الوطني تحلم بتحطيم أغلالها، والانطلاق لبناء مستقبلها على قواعد الحرية والاستقلال الشامل، وقد أصبح هذا النموذج ملهما للشعوب، ويمكن أن تتبناه في بناء قوتها، فالأسلحة يمكن إنتاجها في أنفاق تحت الأرض، ويمكن أن تبدأ الشعوب بالحجر والسكين حتى تتمكن من إنتاج الصواريخ والمسيّرات وقذائف الياسين، ويومئذ ستسحب أمريكا وفرنسا وبريطانيا جيوشها من إفريقيا وآسيا.

والجيل الجديد في أمريكا يمكن أن يرغم إدارته على التخلي عن مخططاتها للسيطرة على العالم، وفرض الهيمنة الأمريكية على منطقة الشرق الأوسط؛ فتكلفة السيطرة والاحتلال والاستعمار ستصبح باهظة عندما تقلد الشعوب المقاومة الفلسطينية، وتقرر أن تفرض إرادتها، ويقودها الثوار الذين يرفضون العبودية للواقع ويحلمون بالحرية.

إن الثوار يمكن أن يطلقوا خيالهم لإعادة اكتشاف الواقع والكفاح لتغييره.

المصدر : الجزيرة مباشر