“الإجازة الذهبية” حرام على مسلمي الصين!

صينيون في الشوارع بمناسبة أكبر عطلة احتفالا بعيد العمال (الفرنسية)

حصل الصينيون على إجازة مدتها 5 أيام متصلة، احتفالا بعيد العمال. يمنح القانون العمال يوما واحدا مطلع شهر مايو/أيار لقضاء إجازة سنوية، أسوة بما يجري في الدول التي ما زالت تقيم للعيد -دون العمال- وزنا.

الإجازة الطويلة حيلة ابتكرها المسؤولون، لترحيل عطلة نهاية الأسبوع الأخير من إبريل/نيسان، والأحد المقبل 11 مايو، لاستعادة ما يُعرف بعطلات “الأسبوع الذهبي”، التي تتكرر باحتفالات مطلع أكتوبر/تشرين الأول بمناسبة يوم الاستقلال الوطني، ترتفع إلى أسبوعين بهلال السنة القمرية.

استهدفت الحكومة العطلات الطويلة للعاملين بالحكومة والقطاع العام، ليشعر المنتسبون إليهما بالتميز، بينما يرفضها القطاع الخاص الذي يدفع موظفيه إلى العمل بنظام “699” -وهو رقم إسعافات الطوارئ التي تعني شعبيا عملا يؤدي إلى الموت أو يصيب صاحبه بسكتة قلبية تستدعي الطوارئ الطبية- ممتد لـ6 أيام في الأسبوع من التاسعة صباحا إلى السادسة مساء، بدوام 9 ساعات يوميا.

السفر والمزاج العام

في هذا العام، جاء الترتيب متفَقا عليه بين الحكومة والقطاع الخاص “من أجل تحسين المزاج العام للمواطنين”، ودفع الشعب الذي اعتاد الادخار بكثافة إلى الإنفاق الاستهلاكي.

نشرت “الأسابيع الذهبية” ثقافة الحجز لقضاء العطلات على نطاق شعبي واسع. لم يعد الاحتفال قاصرا على زيارة العمال للمتاحف ومقابر زعماء الثورة الشيوعية التي تنشط بأموال وقيادات الحزب الحاكم، بل فرصة لإظهار تغييرات جذرية بنظام اجتماعي، جعلت 500 مليون شخص ينضمون إلى الطبقة المتوسطة في دولة تتجه إلى الثراء المرتفع.

سجلت السلطات قيام مسافرين بـ101 مليون رحلة عبر الحدود عام 2023، اتجهت 70% منها إلى جزيرتي هونغ كونغ أو تايوان أو منطقة ماكاو الذاتية الحكم.

تشهد تلك المناطق إقبالا واسعا من الراغبين في قضاء وقت ممتع أو المراهنات، بينما يتجه كثير من الشباب لقضاء شهر عسل فاخر في أوروبا واليابان، وتسافر عائلات لحرق البخور في معابد بوذية بتايلاند، والبحث عن امتدادات العائلات في ماليزيا وجنوب آسيا.

أظهر استقصاء أجرته مؤسسة “ماكينزي” في فبراير/شباط الماضي حول اتجاهات المستهلكين، زيادة خطط المواطنين لمزيد من الإنفاق على السفر الدولي خلال 2024، تفوق عام الذروة 2019، بمعدلات تتراوح بين 14% و64%.

القوائم السوداء والحمراء

يحتاج المواطنون إلى جوازات سفر للذهاب إلى هونغ كونغ وماكاو رغم تبعيتهما للدولة. سهّلت الحكومة إصدار الجوازات وفقا لحق دستوري يسمح لكل فرد بحمل جواز سفر، وحرية الانتقال بين الأقاليم والخارج. يتناقض الحق الدستوري مع واقع يشترط موافقة وزارة الأمن العام على إصدار الجواز، حيث يخضع طالبه لتحريات مطولة من الحزب الشيوعي ولا سيما الشخصيات التي يراها النظام تمثل خطرا على الأمن العام.

تسير السلطات على نهج أنظمة عربية استبدادية، تسلب المواطن حقه في حمل جواز السفر أو تجديده لدواع أمنية. تضع المسلمين من قبائل الإيغور والقازاق والتركمان في قائمة سوداء، فلا يمكنهم استخراج جواز إلا بإذن من مسؤولي الحزب الشيوعي والأمن العام بالمنطقة السكنية المقيمين بها. في حال حصول المسلم على الجواز، لا يغادر من مكان إلى آخر داخل الصين بدون إخطار سابق من المسؤولين، مع تحديد جهة الوصول، والبقاء على اتصال دائم عبر الهواتف مع قيادات الأمن بمقر إقامته الموجود فيه، ولا يُسمح له بالسفر إلى الخارج نهائيا، إلا عبر منافذ خروج محددة، وفي حال تجاوزه تلك الإجراءات تتولي سلطات الأمن بالمطارات إلقاء القبض عليه لإعادته إلى جهة الإقامة. تحول الإجراءات المطبَّقة بشدة منذ عام 2017 دون حرية المسلمين من تلك الأقليات العرقية في الحركة داخل البلاد، وتحظر سفرهم إلى الخارج تماما، دون موافقة السلطات الأمنية.

السلاح السحري

في العامين الأخيرين، ضمت السلطات المسلمين “الهوي” المنحدرين من عرق الأغلبية الهان إلى قائمة حمراء، تشترط على 20 مليونا من “الهوي”، الذين دخلوا الإسلام مع وصول القبائل العربية في القرن الأول الهجري، عدم السفر إلى الخارج دون إذن سابق.

تحظر السلطات سفرهم بمفردهم إلى مكة لأداء شعائر الحج والعمرة نهائيا، وبأعداد محدودة عبر الجمعية الإسلامية في بيجين، التي تمثل تجمعا يضم 35 ألف مسجد ومؤسسة إسلامية منذ عام 1954. أفقدت السلطات الجمعية حريتها بعد خضوعها التام منذ عام 2018 لإدارة الدولة للشؤون الدينية “السلاح السحري” للحزب الشيوعي الصيني في تشديد قبضته على المسلمين والمسيحيين. أصدرت الحكومة عام 2021 لائحة تحظر الأنشطة الدينية والجماعات الدينية غير المصرَّح بها، وعَدَّت السفر لأداء الحج أو العمرة عبر الشركات أو المساجد الفرعية عملا دينيا يجب محاربته، إضافة إلى حظر القرآن وتدريسه وحفظه وإزالة قباب المساجد التاريخية والحديثة، ليعاد بناؤها على طراز المعابد الصينية، مع تحديد أعمار وهوية الراغبين في أداء الصلاة، وحظر كتابة النصوص بالعربية والتركية.

الحج الممنوع

في دراسة لمركز (بيو) الأمريكي للأبحاث، يؤكد كبير الديموغرافيين كونراد هاكيت أن “الصين دولة ملحدة رسميا، لكن الأمة الصينية ما زال الدين بها له مفهوم واسع، ويؤدي دورا مهما في حياة نسبة كبيرة من السكان”. تُظهر السلطة تناقضاتها مع رغبة الشعب في توظيف ما جناه من ثراء ورفاهية فيما يحقق له السعادة ويحسّن مزاجه وفقا لأهوائه ومعتقداته. في استطلاع “ماكينزي” أبدى 40% من الراغبين في السفر عام 2024 رغبتهم في العودة إلى زيارة أوروبا، بعضهم يشتاق إلى الصلاة في الفاتيكان، لإيمانه بالكاثوليكية التي تحاربها السلطة. كثير من المسلمين الذين تمكنوا من قضاء العمرة منذ سنوات، يريدون العودة إلى السعودية للاستمتاع بالحج والعمرة.

تمتد قوائم الانتظار لطالبي الحج عبر الجمعية الإسلامية الرسمية إلى 5 سنوات، من بعد الحصول على موافقة الحزب الشيوعي بمقر الإقامة، وخضوع الطالب للرقابة الأمنية الدائمة، لفترة انتظار غير معلومة المدة. يموت أغلب طالبي الحج دون أن يتحقق أملهم في أداء الركن الخامس للإسلام، رغم ثرائهم ووجود فرص سفر أمامهم من الشركات السعودية وسهولة الحصول على تأشيرات دخول للحج.

وبينما تسمح السلطات بسفر غير المسلمين، تلاحق الراغبين في الالتفاف على نظام الحج الرسمي باتهامات جنائية تحرمهم من جوازات السفر والانتقال بين المقاطعات، وبعقد اتفاقات أمنية مع كل من مصر والإمارات وإيران والمغرب، تحول دون قدرتهم على الوصول إلى الأراضي السعودية للحج عبر دولة ثالثة، دون موافقة سابقة من أجهزة الأمن في الصين، وتسهيل إعادتهم إلى البلاد فور طلبهم من السلطات.

تتماهى الدول العربية في مساعدة بيجين، التي تعمل على تعميق علاقاتها مع الأنظمة دون أن تفهم طبيعة الدين وأهميته في حياة المسلمين، ومدى تأثير ما تفعله سلبا على قناعة الشعوب بدور أكبر للصين دوليا، في مواجهة الطغيان الأمريكي الغربي.

المصدر : الجزيرة مباشر