إسرائيل تنهزم أمام الجزيرة

مبنى قناة الجزيرة في الدوحة (الفرنسية)

من الثابت أن الجزيرة صارت التجسيد الحقيقي للإعلام الحر المهني حتى لو كانت الشبكة مملوكة لدولة قطر.

ذلك أن هذا البلد الخليجي المحدود مساحةً وسكانًا قدّم إلى العرب والعالم أهم إنجاز إعلامي في الثلاثين عامًا الأخيرة، والشواهد كلها تؤكد أن هذا الإنجاز الساطع الناطق بلسان الشعوب والباحث عن الحقيقة وتقديمها بمصداقية سيظل مستمرًّا إلى ما شاء الله.

وأيقنت قطر قيمة ما فعلته وما قدمته إلى العقل والضمير العربي والعالمي، لهذا تعض بالنواجذ على مشروعها الإعلامي الأهم في الشرق الأوسط، ولا تفرط فيه ولا تتنازل عنه ولا تساوم عليه.

قطر والجزيرة صنوان لا يفترقان، بينهما رباط من لحم ودم، ومن صوت ناطق بكل ما هو صريح وواضح وجاد، لهذا يجد صدًى ونفاذًا فوريًّا لدى الناطقين بالعربية في كل مكان بهذا العالم.

الجزيرة.. ضرورة عربية وعالمية

قد تكون هناك بعض المواءمات في المحتوى في حدود معيَّنة ولظروف خاصة ضاغطة أحيانًا في عالم شرس فاقد للقيم الأخلاقية والنبل الإنساني، لكن صلب رسالة الجزيرة ومضمونها قائم لا يتغير ولا يتزعزع، وهو تقديم الحقيقة بتجرد وعرض الرأي والرأي الآخر بتوازن ومساواة وإنصاف، بحيث تجد فيها نفسك، وعلى شاشتها ترى صورتك، وبلسانها تستمع لما يجول في عقلك ويسكن فؤادك.

بينما لو كانت الجزيرة غير موجودة، كيف كان شكل الحياة الآن وقبل الآن؟ وكيف كانت رؤية الأحداث والتغطيات والتفاعلات والحوارات والنقاشات؟ وكيف كان وضع الحقيقة وهي صلب رسالة الإعلام في كل مكان وزمان؟

لهذا أصبحت الجزيرة ضرورة شعبية عربية وحاجة إنسانية عالمية بحيث يستحيل الاستغناء عنها أو تخيل غيابها ولو لساعات وليس أيامًا وشهورًا.

غباء نتنياهو

نحن أمام شخص غبي اسمه نتنياهو، وأبلغ دليل على ذلك هو اتخاذه مع وزراء حكومته الصهيونية الفاشية بمن فيهم المتطرفون الأفاقون قرارًا بإغلاق مكتب الجزيرة في القدس المحتلة.

وسبق القرار الذي تم تنفيذه قبل أيام إصدار قانون من الكنيست وسمّوه “قانون الجزيرة”.

وهذا السلوك الشائن بقدر ما هو غباء من هذا الدموي، فإن هذا القانون وذاك القرار -إغلاق الجزيرة- هو بمنزلة تاج للشرف والفخر للجزيرة، وتأكيد لوطنيتها وعروبتها وقوميتها وحسن مسارها وسلامة خطها التحريري.

عندما ينتفض كيان يخوض حروبًا مع دول عدة في وقت واحد ويحارب على جبهات متعددة في اللحظة نفسها ليعلن حربًا على قناة إعلامية لا تملك غير شاشة وميكرفون وعقل مهني وتكشف التضليل والمضللين وتعري الأكاذيب والكذابين وتفضح الصهيونية والصهاينة، فإن هذا يرفع قدر الجزيرة ويُعلي من شأنها ويجعلها في عليين فوق الصهيوني وكل متصهين.

هذا الكيان الأضخم تسليحًا وتدريبًا وقوة عسكرية هائلة، والمدعوم دون سقف من أعتى قوة عالمية هى أمريكا ومعها أوروبا ودول أخرى في العالم، هذا الكيان يتضاءل وينكسر وينهزم أمام الجزيرة فيضيق بصوتها ويقرر إغلاق مكتبها.

المقاومة وصوت الجزيرة

يا لها من مكانة رفيعة للقناة التي لا يصمد أمامها الكيان المغتر بأياديه الطويلة وقوته الضاربة وردعه الاستباقي، وهل لنا كذلك العودة إلى السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي؟ لنرى كيف أذلت المقاومة هذا الكيان في عملية نوعية مزلزلة، مما يعني أن إسرائيل التي ترى نفسها قوة شرق أوسطية عاتية تنكسر مرتين في غضون أشهر: أمام المقاومة وأمام صوت الجزيرة الكاشف لجرائمها أمام العالم.

قرار الإغلاق له عندي وجهان هما:

الأول: ادعاء إسرائيل أنها واحة للديمقراطية وسط صحراء عربية من الديكتاتورية هو محض هراء.

نعم تشهد إسرائيل انتخابات وتداول سلطة بين أحزابها ولديها آليات ديمقراطية لكن ذلك خاص بشعبها، بل ليس لكل من يعيش فيها ويحمل جنسيتها، مثل “عرب 48” فهم مواطنون درجة ثانية في كل الحقوق ومنها السياسية.

وجوهر الديمقراطية هو الحرية، وصلب الحرية هو حرية الإعلام والحق في إبداء الرأي والتعبير، وعندما تغلق إسرائيل مكتب الجزيرة لأنها لا تحتمل أن ترصد ما يجري من جرائم وشنائع ترتكبها بحق أهل غزة فإن ذلك يطيح بديمقراطيتها العنصرية التي لم تُطِق صوتًا مغايرًا لروايتها الكاذبة.

يدعم ذلك أنه طوال العدوان على غزة فإن إسرائيل تفرض على إعلامها سردية واحدة بشأن الجريمة، ولا تسمح لأحد عندها سواء كانت صحيفة أو شاشة أو موقعًا إخباريًّا أو كاتبًا أن يخرج عنها ويذكر ولو سطرًا أو كلمة واحدة بشأن إبادة المدنيين، فضلًا عن قتلها 140 صحفيًّا وإعلاميًّا فلسطينيًّا بهدف قتل صوت الحقيقة داخل غزة.

الوجه الثاني: أن القرار يُثبت مجددًا أن كل ما يروجه خصوم الجزيرة والحاقدون عليها والحاسدون لها بشأن ارتباطات لها بإسرائيل في تأسيسها عام 1996 هو افتراءات وتخاريف ودجل ومزاعم هدفها محاولة تحطيم هرم القناة الشاهق والتشكيك في نبل أهدافها ورسالتها.

نتذكر هنا بوش الابن، الذي في لحظة ضيق وطيش كاد يتخذ قرارًا بقصف مبنى الجزيرة لأنها تسلط أضواء الحقيقة التي حاول إخفاءها على جرائمه في العراق بعد احتلاله، لولا الثعلب الماكر توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الذي نصحة بعدم اتخاذ هذا القرار الفضيحة.

ومِن ثَم فلا دور صهيونيًّا أو أمريكيًّا وراء انطلاق الجزيرة ورعايتها، وتألقها والتفاف الشعوب حولها، واتساع الفارق في نسب المشاهدة والمتابعة بينها وبين كل القنوات التي أُسست بعدها لمزاحمتها وسحب الجمهور منها لكنها فشلت في مساعيها كما فشل الإعلام القديم في مختلف الدول العربية في الهدف ذاته.

وأخيرًا، أنا شخصيًّا لم أكن سعيدًا بوجود مكتب للجزيرة في إسرائيل، ولا ظهور متحدثين صهاينة على شاشتها، وحسنٌ أن المكتب أُغلق، ومع هذا فإن تغطيتها للعدوان على غزة لم تتأثر قيد أنملة بل تزداد قوة وتنوعًا، فليس هناك حدود أو أسوار أو حواجز أمام نفاذ صوت ورسالة الجزيرة هدية قطر إلى العرب والعالم.

المصدر : الجزيرة مباشر