محجوب قاهري :تونس “المعجزات” تحتاج اإلى معجزة

صُنع المعجزات في تونس عادة برع فيه حكامها، وأوهموا الناس بقدراتهم الخارقة، فيما لا يعدو الأمر سوى محض كذب وادّعاء. يتبع

إعلان
 محجوب قاهري / مدون تونسي

تونس “المعجزات” تحتاج الى معجزة حقيقية! أن يخرج الناطق الرسمي لحكومة دولة تكاد تحترق، أو هي فعلا تحترق، بشبابها الهائج الغاضب من شمال البلاد الى جنوبها طلبا للتشغيل

ليعلن فيما أعلن من قرارات للتهدئة وخروج البلاد من أزمتها الحادة، عن قرار انتداب 5000 فرد في محافظة واحدة، ثم يتلو هذا الخروج، في أقل من 10 ساعات، ظهور وزير مالية نفس الحكومة، سليم شاكر، ليقول إن زميله الناطق الرسمي، قد ارتكب خطأ اتّصاليا، وإنه ليست هناك انتدابات فعلية.

 وإنّما فرص تشغيل هشّة لتقديم بعض المنح. فهذا لعمري صبّ الزيت على النار، كان الامر مثلما قال سليم شاكر واصفا زميله “بانه بشر ويمكنه ارتكاب الخطأ”، أو كان عن تدبير وقصد لمزيد تأجيج الوضع، خاصة في ظلّ حزب حاكم تأكله التصدّعات، وتتقاتل أجنحته فيما بينها. لهذا نقول بأنّ تونس البلد الذي علّمنا حكّامه بأنّهم قادرون على صُنع المعجزات وإرغام الناس على تصديقها، تحتاج الان، وفعلا، وعاجلا، إلى  معجزة حقيقيّة لإنقاذها من أبناءها الساسة.

إعلان

صُنع المعجزات في تونس عادة برع فيه حكامها، وأوهموا الناس بقدراتهم الخارقة، فيما لا يعدو الأمر سوى محض كذب وادّعاء. فبورقيبة حقّق معجزة “التعليم للجميع”، ثمّ اكتشفنا لاحقا بأن نصف الشعب من الأميين، وأن أغلب المثقفين يحتاجون الى إعادة النظر في ثقافاتهم، والكثير منهم يعاني من إعاقات ثقافية دائمة، تعمل على تشتيت المجتمع، وتفريقه.

 واكتشفنا أيضا ألا فرق بين الجامعيين الموكول إليهم مهمة تعليم الأجيال في المراحل المتقدمة وطلبتهم، الجميع ينهل من نهر ثقافة الشارع، وحديث ما تحت الحزام. والمخلوع بن علي حقّق “المعجزة الاقتصادية” التي روّج لها إعلامه والإعلام الخارجي المتعاون معه والمستفيد من مال الشعب بدون حق، ثمّ حصّنها برلمانه بإصدار “قانون الأمن الاقتصادي”، في جوان 2010

وهو القانون الذي يمنع الانتقاد أو التصريح بحقيقة المعجزة الاقتصادية الكاذبة، والتي جوهرها أن الشعب يزداد جوعا، ونسب البطالة ترتفع إلى  معدلات قياسية.

إعلان

ثمّ جاءت معجزة وزيرة السياحة أمال كربول، في حكومة مهدي جمعة، والتي كتبتها على صفحتها على الفيسبوك (بتاريخ 10 ماي 2014)، وهي انّها حقّقت معجزة لم تحقّقها الأمم من قبلها، إذا كتبت بأن نسبة الحجوزات في الفنادق بلغت 100%، وهو ما لم يحدث مطلقا، خاصة وانّ الإرهاب ضرب في عمق الفنادق وأزهق كثيرا من ألارواح

 فهجر السياح وعزفوا عن المجيء، لولا الدعم الذي قدّمته الحكومة للفنادق لأغلقت بنسبة 100%. وربّما أراد الناطق الرسمي للحكومة الحاليّة أن يصنع المعجزة الخائبة الأخرى، إلاّ أنّ وزير المالية تدخل لتصحيح الأمر بعد افتضاح حقيقة انتداب 5000 شاب في محافظة واحدة.

وأيضا لضراوة الحراك القائم في البلد، والذي قد يعصف به. تونس ليست بحاجة الى مزيد من المراوغة والخداع، إنها تحتاج الى معجزة حقيقية، معجزة تجعل منها الكيان الواحد الذي ينبض بكل التيارات التي تعيش فيه، الكيان المؤسساتي الذي يحتمل كلّ الآراء دون إقصاء.

إعلان

هذه المعجزة ليست سوى احترام الدستور والقانون والمؤسسات ونتائج صندوق الاقتراع. التوافق لم يكن موفّقا في تونس، فلقد ضرب الديمقراطية في مقتل والتفّ على حكم الصندوق، وحافظ على الأضغان، وأجّج الأطماع، وتجاوز الدستور. باختصار أعاد الدكتاتورية من بعيد، ولكن هذه المرّة أعادها مشرّعة أبوابها على الفوضى. المعجزة الحقيقية تبدو صعبة المنال لأنّ ساسة تونس خليط من الأنانية والجهل والانتهازية.

فالسياسي الذي يريد أن يسقط حكومة جاءت بالصندوق، ويحرّض عليها، لأنّها لم تشغّل 800 ألف معطّل عن العمل في ظرف سنة واحدة، فهو إمّا جاهل أو كاذب أو خطر على الوطن. والبرلماني الذي يبدو كالتلميذ الذي يردّد أناشيده  حينما يقف امام العدسات، ويفشل في تقديم مشاريع قوانين ويدافع عنها من أجل الذين انتخبوه، لا يمكن اعتباره سوى مشروع انتهازي قادم ليسرق الوطن. والحكومة التي لا تصارح شعبها بما يحدث حوله هي حكومة لا تمثل الشعب وتكذب عليه.

والشعب الذي ينخرط في حرق الوطن وتدميره ليس شعبا يستحق الاحترام. لم يبق أمام التونسيين إلا حلّ واحد، يحمي الجميع ويحمي الوطن، وهو المعجزة الحقيقة، احترام الدستور والقانون والمؤسسات ونتائج صندوق الاقتراع، والانخراط جميعا في بوتقة واجدة لإنقاذ تونس في هذا الوقت الحرج.

 د. محجوب أحمد قاهري

مدون تونسي

 drkahri@gmail.com 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها