الإرهاب الأبيض يفضح الشوفينية الأمريكية

 

بعد مرور أسبوع على الحادث الإرهابي الذي حصد أكثر من عشرين قتيلا في مدينة إل باسو بولاية تكساس الأمريكية، مازالت التغطية الإعلامية في المكسيك تجتهد في امتصاص غضب المكسيكيين تجاه العملية الدموية التي استهدفتهم. والغضب متأتّ بالأساس من الاعتراف الوقِح الذي دوّنه القاتل على شبكة الإنترنت قبل اقتراف جريمته بسويعات ” فتح النار هو الرد على غزو المهاجرين لتكساس” وكذلك اكتفاء الجانب الأمريكي بوصفه “فعل كراهية وحقد” لا إرهاب. موقف أمريكي يؤكد مع كل جريمة إرهابية سياسة الكيل بمكيالين.

موقع الجريمة:
إعلان

    لتوضيح المشهد وجبت الإشارة الى أن إل باسو، موقع الجريمة، هي مدينة حدودية، ثلاثة أرباع سكانها مكسيكيون وينتشر فيها استعمال اللغة الإسبانية بنسبة 85%، ولطالما اعتُبرت هي وبقية المدن الحدودية مع المكسيك مصدر إزعاج للرأي العام الأمريكي اليميني المتطرف. واشتدت هذه الأحقاد مع خطاب ترمب ولعبه على بثّ الكراهية ضد المهاجرين.

حادثة إل باسو ليست الأولى ولا الأخيرة التي ثبت فيها تأثر المجرم بأفكار ترمب، فقد اعترف كثير من السياسيين وصناع الرأي الأمريكيون أن هذه الحوادث تدخل في باب الإرهاب الأبيض الذي ينفذه مواطنون أمريكيو الأصل والنشأة تأثرا بالخطاب الشوفيني لترمب، وقد أصبح يحصد عددا مُرعبا من الضحايا، والأدهى والأمر أن عدد هذا النوع من جرائم القتل العشوائي في ازدياد. في حادثة إل باسو استشهد المستنكرون بفيديو على اليوتيوب يوثق كلمة لترمب كان ألقاها في مايو الماضي في فلوريدا أمام جمهوره تساءل فيها “عندما يكون لديك 15 ألف قادم من هناك ولديك حدود وجبت مراقبتها ولا يمكنك أن تستعمل السلاح، كيف يمكننا إيقافهم؟؟” فردّ عليه واحد من الجمهور بصوت مسموع ” أطلق عليهم النار “، فضحك أغلب الجمهور غبطة، وعجز هو على التحكم في تعابير وجهه التي فضحته. وقد انتقده خصومه على ردة فعله يومها ودعوا القضاء الأمريكي لمحاسبته على استمراره في بث الكراهية ضد المهاجرين ونعتهم بألفاظ نابية. لكن الرجل ماضٍ في خطابه بنفس الغرور الجنوني حفاظا على قاعدته الانتخابية التي تشبهه.

رغم وحشيتها:
إعلان

     الملاحَظ أن الجمهوريين يمتنعون عن اعتبار جرائم القتل العشوائي هذه، الصادرة عن مواطنين أمريكيين في حق الأقليات، حوادث إرهابية رغم وحشيتها، فترمب يُصرّ في كل مرة على وصف المجرم بـ”الجبان أو المريض النفسي” وكذلك فعل رئيس بلدية إل باسو، الجمهوري الانتماء قائلا “الرجل المختل، الشيطاني التوجه” والحال أن المجرم نشر خطابا في منتدى على شبكة الانترنت قبل اقتراف جريمته، يبدي فيه إعجابه بخطاب ترمب وأشخاصا آخرين مثل إرهابي نيوزلندا. واستمات كبير موظفي البيت الأبيض ميك مولفاتي في التهوين من الحادثة مُلقيا باللوم على الديموقراطيين الذين جعلوا منها قضية سياسية والحال أنها قضية اجتماعية، على اعتبار أن الخطاب اليميني براء من هذه الحوادث. وإن كان الجمهوريون يُجمعون على هذا الموقف إلا أن جريمة إل باسو جعلت بعضهم يعترف بضرورة مواجهة خطر حقيقة “الإرهاب الأبيض” كما وصفه المسؤول الجمهوري في ولاية تكساس جورج ب. بوش (ابن شقيق الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش).

   تواتر جرائم القتل الجماعي في الأشهر الأخيرة وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا الأبرياء في كل جريمة، جعلت الأصوات المنادية بوضع حدود لبيع الأسلحة في الولايات المتحدة تعلو. إذ لم تقتصر هذه الجرائم على استهداف الأقليات (المهاجرين، المساجد…) بل امتدت في مناسبات عديدة الى المعاهد والجامعات لتثبت بالكاشف أن القتل لأجل ممارسة القتل أصبح غاية في حد ذاته بسبب انتشار صناعة العنف السينمائية وسهولة الحصول على الأسلحة. والأرقام المفزعة تؤكد مسؤولية الحكومة الأمريكية وثقافة المجتمع على ارتفاع مستوى الجريمة في الولايات المتحدة. إذ يملك المجتمع الأمريكي الذي يمثل 5% من عدد سكان العالم 43% من أسلحة الاستعمال الخاص المُرخّص لها عالميا. ولا يكلّف اقتناؤها عناء كبيرا، فهي متوفرة في الفضاءات التجارية مثل المواد الغذائية.

امتلاك كلاشنكوف:
إعلان

    المجرم الذي قام بقتل 22 شخصا بدم بارد خلال دقائق في فضاء وولمارت بمدينة إل باسو، هو من هؤلاء المواطنين الأمريكيين الذين تشبعوا بثقافة العنف وأتاح له القانون امتلاك كلاشنكوف مع كل ما يريد من ذخيرة. شاب في الواحد والعشرين من عمره، يقطع أكثر من 1000 كم لتنفيذ رغبة تطوّرت في نفسه ولم يجد لها أي كابح، فكان له ما أراد وهو في كل مداركه العقلية لدرجة أنه سلّم نفسه بعد الجريمة.

المُستفزّ في هذه الحادثة أن فضاء وولمارت التجاري الذي كان مسرح الجريمة، وبعد وقوع الحادثة أعلم زبائنه أنه انقطع عن بيع ألعاب الفيديو التي تحتوي لقطات عنف اعترافا بتأثيرها الخطير على مقتنيها. قرار أثار تهكم الكثيرين لأن فضاءات وولمارت في حد ذاتها تملك تراخيص بيع الأسلحة وتعرضها مثل باقي السلع. قرار يحقّ لكل المستنكرين اعتباره دليلا على أن الولايات المتحدة هي المسؤولة الأولى عن اكتواء أهلها بنار الإرهاب.

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه