خبراء للجزيرة مباشر: الوضع في إثيوبيا انفجاري والصراع الإثني يزيد تعقيد المشهد وجهود الوساطة محدودة (فيديو)

قال محمد حامد جمعة الخبير في شؤون القرن الأفريقي: إن الأمور في إثيوبيا تعقدت بشكل حوّل خلافًا قانونيًا بين أطراف النزاع إلى معركة تزحف باتجاه العاصمة أديس أبابا.

وأضاف جمعة خلال حديثة – مع برنامج المسائية على شاشة الجزيرة مباشر- “أن الحكومة الفدرالية انتصرت في البداية وحاصرت جبهة تحرير تيغراي، قبل أن يقع الهجوم المعاكس ما أدى لانسحاب الحكومة الفدرالية، ما أسهم في تمدّد الجبهة الشمالية في نحو 700 كيلومتر من العاصمة مقلي وصولًا إلى إقليم الأمهرة”.

وتبعًا للموقف الحالي انقطعت طرق الإمدادات عن أديس أبابا، ولم يتبق لها سوى طريق الجنوب عبر الحدود مع كينيا، وبدرجة أقل الطريق القادم من جيبوتي، ما يجعل الأوضاع من الناحية الميدانية تشير إلى تراجع الجيش الإثيوبي، وفق الخبير في شؤون القرن الأفريقي.

واستطرد جمعة “ستحفز الأوضاع الجديدة جبهة تحرير تيغراي نحو مزيد من العمل العسكري لزيادة الضغط على حكومة آبي أحمد، لا سيّما في ظل التواصل بين جبهة تحرير تيغراي وجيش تحرير أورومو”.

وتابع “الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة لم يقدما دورًا فعالًا في احتواء الأزمة، وذلك لفتور العلاقات مع الحكومة الفدرالية، كما أن مصر والسودان في حالة لا تسمح لهما بالوساطة نظرًا لمشكلتهما مع حكومة آبي أحمد بخصوص سد النهضة ما يجعل الوضع انفجاريًا”.

بدوره، قال نور الدين عبدا الكاتب والمحلل السياسي الإثيوبي “تحتاج إثيوبيا الآن إلى حوار وطني شامل يعالج القضايا الاستراتيجية المهمة في بناء الدولة، والالتفاف حول دستور يحتوي تطلعات الجميع وينتقل بالبلاد إلى مستوى أكثر استقرارًا، والسؤال المهم هنا: متى يبدأ هذا الحوار؟ وهل ينجح في إيقاف حمام الدم؟ هنا يتجدد التحدي”.

وأكد عبدا خلال مشاركته في “المسائية” أنه وبالرغم من أن الشعار الآن “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” إلا أن الأطراف كافة ملزمة بالتنازل وتغليب المصلحة العامة وسيشمل ذلك تضحيات عن مواقف معينة وبما لا يمس سيادة الحكومة المنتخبة وبالحدود التي تراها الحكومة”، على حد تعبيره.

وبشأن الانتقال إلى تسوية بين الأطراف كافة ونزع فتيل الأزمة الراهنة، قال محمد حامد جمعة إن المسألة ممكنة بشروط أهمها حجم الوسيط ونوع الوساطة التي يتدخل بها بين الحكومة الفدرالية وجبهة تحرير تيغراي وحليفها الجديد (جيش تحرير أورومو)، علاوة على المقترحات المقبولة للطرفين عبر تلك التسوية.

ولتأكيد تعقّد المشهد الإثيوبي القائم، تابع جمعة “جيبوتي قريبة من موقف الحكومة الفدرالية، والسودان لديه توترات مع إثيوبيا جراء أزمة سد النهضة، ومن ثم فإن فرص الوساطة السودانية تكاد تكون معدومة، وكذلك ليس من المنطقي الحديث عن مبادرة مصرية”.

وواصل جمعة “أما الاتحاد الأفريقي، فكانت له محاولات في بداية الأزمة وبالتزامن مع الهجوم الفدرالي على إقليم تيغراي، إذ أصدر بيانًا دعم فيه الحكومة الفدرالية، ما أفقده دور الوسيط عند جبهة تحرير تيغراي، بل إن الجبهة تعده طرفًا غير محايد”.

ووفق جمعة، فإن موقف الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة من الحكومة الفدرالية ليس أفضل حالًا، خصوصًا بعد إثارة الملفات الحقوقية المرتبطة بالصراع الإثيوبي الداخلي، والحديث الأوربي الأمريكي عن ممارسات للحكومة الإثيوبية تصل حد جرائم الحرب.

وأشار جمعة إلى أن خطورة الموقف الراهن لا تكمن في مجرد البحث عن وسيط، وإنما تأمين المنطقة من الانزلاق في الصراع وضمان عدم تحوله من صدام إثيوبي إثيوبي إلى حرب تحرق نيرانها القرن الأفريقي برمته.

وارتأى البروفسور ريتشارد تشازدي -أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن والمتخصص في الشؤون الأفريقية- أن واشنطن تنظر للصراع الإثيوبي الحالي على أنه أزمة متفاقمة ومعقّدة، ويزيد من تعقيده الصراع الإثني والانقلاب في السودان، فضلًا عن التوترات على الحدود بين السودان وإثيوبيا.

وعن الدور الأمريكي حيال الصراع القائم، أشار تشازدي إلى أن أمريكا ستدعم موقف مجلس الأمن والدعوة إلى وقف إطلاق النار، ومساعدة أطراف النزاع على الذهاب إلى طاولة المفاوضات.

وما زال المعسكران صامتين إزاء الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار والمفاوضات التي نقلها المبعوث الأمريكي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان الموجود في العاصمة الإثيوبية.

وأمس الجمعة، دعا مجلس الأمن الدولي إلى “إنهاء القتال والتفاوض على وقف دائم لإطلاق النار”، في بيان مشترك نادر منذ بدء القتال قبل عام.

وعن العقبات التي واجهت حيفري فيلتمان، قال ريتشارد تشازدي إنها كثيرة من بينها جبهة تحرير تيغراي، والتي سبق وأقصاها آبي أحمد من الحكم، فضلًا عن وجود قوات إريترية في إثيوبيا وصراع إثني يزيد تعقيد المشهد المتأزم أصلًا.

وفي السياق، أمرت الولايات المتّحدة، السبت، دبلوماسييها غير الأساسيين بالسفارة الأمريكية في إثيوبيا وأفراد عائلاتهم بمغادرة البلاد، وذلك بالتزامن مع تصاعد القتال بين القوات الحكومية ومقاتلي جبهة تحرير تيغراي.

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان إن هذا القرار اتُخذ “بسبب النزاع المسلّح واضطرابات مدنية ونقص محتمل” في المواد الأساسية.

وفي الأيام الأخيرة، طلب عدد من السفارات بينها بعثات الولايات المتحدة والسعودية والسويد والنروج والدنمارك ولبنان من رعاياها مغادرة إثيوبيا.

وتخوض الحكومة الفدرالية الإثيوبية برئاسة آبي أحمد -الحائز جائزة نوبل للسلام، في 2019- حربًا منذ عام ضد جبهة تحرير تيغراي.

وبعد أن استعاد مقاتلو الجبهة معظم مناطق تيغراي، في يونيو/حزيران الماضي، تقدّموا خصوصًا في الأشهر الأخيرة في منطقة أمهرة المجاورة، وأعلنوا سيطرتهم على مدينتين استراتيجيتين، نهاية الأسبوع الماضي.

والأربعاء الماضي، قالت جبهة تحرير تيغراي إنها وصلت إلى منطقة كيميسي على بعد 325 كيلومترًا شمال العاصمة أديس أبابا، إذ انضمت إلى جيش تحرير أورومو المجموعة المسلحة لإثنية أورومو، ولم تستبعد الجماعتان الزحف إلى أديس أبابا، بينما تنفي الحكومة أي تهديد لأديس أبابا.

التعبئة العامة

وتحاول الحكومة المتعثرة حشد التأييد العام وتخطط لتنظيم مظاهرة ضد مقاتلي جبهة تحرير تيغراي، وتهدف إلى استعراض القوة بمشاركة مئات الآلاف من الأشخاص.

وغرّد آبي أحمد عبر تويتر “هناك تضحيات يجب تقديمها لكن هذه التضحيات ستنقذ إثيوبيا”، مضيفًا “واجهنا المحن والعقبات وهذا جعلنا أقوى، لدينا حلفاء أكثر من الذين انقلبوا علينا”.

وغرّد مكتب الاتصالات الحكومية الإثيوبي “شرف لنا أن نموت من أجل سيادتنا ووحدتنا وهويتنا، لا انتماء إلى إثيوبيا من دون تضحيات”.

وتأتي هذه التصريحات غداة إعلان تحالف من 9 منظمات متمردة من مختلف المناطق والأعراق في إثيوبيا، حول جبهة تحرير تيغراي التي تقاتل القوات الحكومية منذ أكثر من عام.

وتهدف هذه “الجبهة الموحدة” إلى “قلب نظام” آبي أحمد كما أعلن ممثل الجبهة (برهان جبر خريستوس) عند توقيع هذا التحالف في واشنطن.

والثلاثاء الماضي، أعلنت الحكومة الفدرالية حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، مؤكدة أنها ستنتصر في هذه “الحرب الوجودية”.

وانتقدت المتحدثة باسم رئيس الوزراء بيلين سيوم “خطابا مثيرا للقلق” حول تقدّم مقاتلي جبهة تحرير تيغراي، أمس الجمعة، مشيرة إلى أنه خطاب أججته “معلومات مضللة تهدف إلى خلق شعور زائف بانعدام الأمن”.

مظاهرة في العاصمة الأمريكية ضد اعتقال سكان إقليم تيغراي الإثيوبي
مظاهرة في العاصمة الأمريكية ضد اعتقال سكان إقليم تيغراي الإثيوبي (رويترز)

صراع موازٍ على منصات التواصل

وأدى النزاع إلى تفاقم الخلافات العرقية خصوصا على شبكات التواصل الاجتماعي إذ تنتشر الخطب الحربية والدعوات إلى الكراهية.

وأعلن موقع تويتر، اليوم السبت، أنه “عطّل مؤقتا” في إثيوبيا زاوية “الموضوعات المتداولة” التي تضم أكثر التغريدات انتشارا حول موضوع ما، وذلك بسبب “التهديد الوشيك بحدوث اعتداءات جسدية”.

وقال موقع تويتر إن “التحريض على العنف أو تجريد الناس من إنسانيتهم مخالف لقواعدنا”.

ومن جهتها أعلنت شركة (ميتا) الأم لفيسبوك، الأربعاء الماضي، أنها حذفت رسالة لآبي أحمد أرسِلت، الأحد الفائت، تدعو إلى “دفن” جبهة تحرير تيغراي.

وأدى إعلان حالة الطوارئ إلى سلسلة من العمليات الأمنية.

وأدانت منظمة العفو الدولية هذه الإجراءات الطارئة التي تشكل برأيها “خطة لتصعيد انتهاكات حقوق الإنسان”.

وقال محامون لوكالة فرانس برس إن آلافا من التيغراي اعتقلوا، منذ الثلاثاء، بينما تؤكد السلطات أنها لا تستهدف سوى أنصار (جبهة تحرير تيغراي).

وقال شاهد عيان لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن مئات اللاجئين من مناطق النزاع في الشمال (تيغراي وأمهرة وعفر) وصلوا إلى العاصمة، اليوم السبت، مشددا على تدهور الوضع الإنساني لأولئك الذين حوصروا في غمار أعمال العنف بين القوات الاتحادية والجماعات المتمردة.

وبدأ صراع الحكومة الإثيوبية مع الجبهة منذ عام وتسارعت وتيرته في الأيام القلائل الماضية إذ أُعلنت حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد وطُلب من سكان العاصمة أن يكونوا مستعدين لحمل السلاح للدفاع عن المناطق السكنية.

وبدأت التوترات تشتعل عندما وصل آبي أحمد إلى السلطة، عام 2018، وسعى إلى الحد من نفوذ جبهة تحرير تيغراي.

وفي 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أرسل آبي أحمد الجيش إلى تيغراي لإقصاء سلطات المنطقة المنبثقة عن جبهة تحرير تيغراي التي اتهمها بمهاجمة قواعد عسكرية فدرالية.

وأدى القتال الذي تسبب بسقوط آلاف القتلى ونزوح مئات الآلاف إلى إغراق شمال البلاد في أزمة إنسانية عميقة.

وتقول الأمم المتحدة إن 400 ألف شخص على الأقل باتوا على حافة المجاعة في تيغراي إذ لم تتمكن من إيصال مساعدات منذ 18 أكتوبر الماضي.

المصدر : الجزيرة مباشر + مواقع التواصل + وكالات