بعد موقف مجلس الأمن بشأن سد النهضة.. ما الخيارات المتاحة أمام مصر والسودان؟

سد النهضة إثيوبيا
ضورة حديثة لسد النهضة نشرها وزير المياه الإثيوبي (تويتر)

أعاد مجلس الأمن الدولي قضية سد النهضة إلى الاتحاد الأفريقي مع كلمات تشجيعية للدول الثلاث بالمضي في مسار التفاوض، ودون تحديد سقف زمني كما طالبت مصر والسودان.

وخلت كلمات أعضاء مجلس الأمن من الحديث بشكل مباشر عن إجراءات الملء الثاني التي اتخذتها إثيوبيا بشكل أحادي في الخامس من يوليو/تموز الجاري.

وهو الأمر الأكثر ازعاجا لمصر والسودان خلال الشهرين الأخيرين بالنظر للأضرار التي يتحدث عنها البلدان، الأمر الذي دفع بهما إلى القيام بتحركات مكوكية لأجل وقف الإجراء الإثيوبي وصولا للمنظمة الدولية.

ما اعتبره بعض المراقبين نجاح إثيوبيا في مسعاها خلال جلسة مجلس الأمن، بالتأكيد على دور الاتحاد الأفريقي في التفاوض، وكذلك إبعاد المجلس عن التدخل الواضح في قضايا المياه العابرة للحدود، على أساس أنها ليست من اختصاصه.

رغم أن الأساس الذي لجأت فيه مصر والسودان لمجلس الأمن، يتعلق بتحذيراتهما من أن الملء الثاني لسد النهضة فيه تهديد للسلم والأمن الإقليمي في المنطقة.

والخميس، عقد مجلس الأمن جلسة لمناقشة أزمة سد النهضة أكد خلالها على دعم الوساطة الأفريقية لحل الخلافات حول السد الإثيوبي.

والإثنين الماضي، أخطرت إثيوبيا دولتي مصب نهر النيل -مصر والسودان- ببدء عملية ملء ثانٍ للسد بالمياه من دون التوصل إلى اتفاق ثلاثي، وهو ما رفضته القاهرة والخرطوم، باعتباره إجراءً أحادي الجانب.

وتصر أديس أبابا على تنفيذ ملء ثانٍ للسد بالمياه، في الشهر الجاري وأغسطس/آب المقبل، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق بشأنه، وتقول إنها لا تستهدف الإضرار بالخرطوم والقاهرة، وإن الهدف من السد هو توليد الكهرباء لأغراض التنمية.

بينما تتمسك مصر والسودان بالتوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي حول ملء وتشغيل السد لضمان استمرار تدفق حصتهما السنوية من مياه نهر النيل.

نجاح دبلوماسي

وقال سفير السودان السابق لدى إثيوبيا عثمان نافع إن الخرطوم والقاهرة نجحتا دبلوماسيا في إيصال القضية لمجلس الأمن الدولي، لأنها قضية تمثل تهديدا حقيقيا للأمن والسلم الدوليين.

وأضاف نافع “لا يمكن أن نتعامل مع ملف سد النهضة بطريقة الربح والخسارة، فما تحقق حتى الآن انتصار دبلوماسي لدولتي المصب في أن يتم طرح القضية في مجلس الأمن الدولي ويتداول الأعضاء حولها”.

وذكر أن اهتمام مجلس الأمن يجعل الاتحاد الأفريقي أمام التزام أكبر بإنجاح المفاوضات بين الدول الثلاث وفق إطار زمني محدد.

وتابع نافع أن “الخيار الآن هو التفاوض، ولكن سيكون على الاتحاد الأفريقي أن يكون أكثر جدية بتحديد مدى زمني للتفاوض، لأن الوضع خطير ويحتاج لاتفاق قانوني ملزم”.

وتعثرت المفاوضات على مدار 10 سنوات وسط اتهامات متبادلة بين القاهرة وأديس أبابا بالتعنت وفرض حلول غير واقعية.

خيار واحد

وقال المختص في شأن القرن الأفريقي عبد المنعم أبو إدريس، إن الخرطوم لم تكن تريد أن يخرج ملف سد النهضة من المنظمة الأفريقية، بل كانت تريد الحصول على مزيد من الضغط الدولي لإنجاح المفاوضات، وأن تضع المنظمة الدولية الملف في أجندتها.

وأضاف أبو إدريس “لا نستطيع أن نقول إن إثيوبيا نجحت، لأن تشدد دول مجلس الأمن على بقاء الملف للاتحاد الأفريقي هو ذات موقف السودان”.

واستطرد “مجلس الأمن سيراقب الأمر وإضافة الأمم المتحدة للمحادثات بين الدول الثلاث، كما أن الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريش) مطالب بإطلاع المجلس على الموقف بصورة دورية”.

وأشار أبو إدريس إلى أن الخيار أمام مصر والسودان الآن طاولة المفاوضات فقط، لأنها أخذت زخما من خلال تناول مجلس الأمن للقضية.

خيارات ضيقة

واعتبر الخبير الاستراتيجي السوداني أمين مجذوب أن المداولات في مجلس الأمن كانت متوقعة لعدة أسباب، أولها التأخير الزمني في الوصول إلى مجلس الأمن الدولي قبل أسبوع من ملء سد النهضة.

كما أن تصريحات رئيس مجلس الأمن والمندوب الفرنسي -خلال الأسبوع الماضي- كانت تعبر عن موقف المجلس وأيضا قضية السد لم تمس حتى الآن السلم والأمن الإقليمي أو الدولي، لذلك جاءت كما كان متوقعا بنقله للاتحاد الأفريقي.

وفي الأول من يوليو، قال رئيس مجلس الأمن الدولي مندوب فرنسا نيكولاس دي ريفيير، إن المجلس “لا يملك سوى دعوة أطراف الأزمة إلى الدخول في مفاوضات”.

وفي هذا الصدد، أوضح مجذوب “دفوعات ومرافعات مصر والسودان أمام المجلس كانت ضعيفة لأنها تعتمد على إعلان المبادئ منذ 2015، وسمح فيه لإثيوبيا أن تفعل ما تشاء”.

وفي مارس/آذار 2015، وقعت السودان ومصر وإثيوبيا “إعلان المبادئ” بالخرطوم، والذي نص على 10 بنود منها التعاون في الملء الأول وإدارة السد، وأمان السد، وتبادل المعلومات والبيانات.

وأشار مجذوب إلى أن الخيارات المتاحة أمام مصر والسودان تتمثل في مقاضاة إثيوبيا أولاً وهذا لا يمنع استمرارها في الملء الثاني.

وثانيا مواصلة التفاوض محذرا من أن مواصلة التفاوض “أمر مجرب، ومن جرب المجرب يحصد الندامة”.

وتابع مجذوب “الخيار الثالث استخدام العنف، وليس واضحا إن كان المجتمع الدولي سيكون ضده، لذلك الخيارات أصبحت ضيقة أمام السودان ومصر، وهي هزيمة سياسية، وفي نهج التفاوض أكثر منها هزيمة اقتصادية أو فنية”.

واعتبر مجذوب أن إثيوبيا نجحت في نهجها التفاوضي، وقرأت نفسيات النخب في مصر والسودان وتعاملت معهما بأسلوب المراوغ وكسب الوقت وأحدثت اختراقات بين النخب السياسية بالدولتين.

ولفت إلى أن عجز إثبات السودان ومصر الحقوق في مجلس الأمن سيتيح لدول حوض النيل الأخرى المطالبة بأمرين، أولهما تحفيز أي دولة من دول الحوض إلى إقامة سدود دون اتفاق أو مشاورة وهذا متوقع مستقبلا، فضلا عن المطالبة بإعادة (تحديد) حصص المياه في نهر النيل الأبيض والأزرق.

وتابع مجذوب “يمكن أن يتم عمل عسكري باستهداف سد النهضة، وهو أمر سيترتب عليه رد من إثيوبيا، باستهداف أهداف حيوية في السودان أو مصر، وهذا سيشعل المنطقة بأكملها”.

وينبع النيل الأزرق من بحيرة “تانا” في مرتفعات إثيوبيا الرافد الرئيس لنهر النيل ويأخذ مساره جنوب البحيرة باتجاه غرب السودان.

ويحصل نهر النيل على ما يزيد من 70% من مياهه من النيل الأزرق عند التقائه مع نهر النيل الأبيض في جزيرة “المقرن” بالعاصمة السودانية، ليواصل مسيره عابرا مصر إلى مصبه في البحر الأبيض المتوسط.

فيما ينبع نهر النيل الأبيض من بحيرة فكتوريا إحدى البحيرات العظمى الأفريقية، وتطل عليها ثلاث دول هي كينيا وأوغندا وتنزانيا.

ويضم حوض النيل 11 دولة هي (إريتريا وأوغندا وإثيوبيا والسودان وجنوب السودان والكونغو الديمقراطية وبوروندي وتنزانيا ورواندا وكينيا ومصر).

المصدر : الأناضول + الجزيرة مباشر