عبد الرزاق قيراط يكتب: لماذا لا يرقص أوباما مع العرب؟

*عبد الرزاق قيراط

 
يحقّ للشعوب أن تستبشر خيرا عندما يرقص حكّامها. فرقصات السياسيّين مقدّمة لعلاقات مثمرة، ودليل على الانسجام والشراكة والتعاون “لتحقيق الحريّة والفرص والالتزام بالعدالة واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون”، وهي وعود ذكرها أوباما في الكلمة التي ألقاها أثناء مأدبة العشاء التي جمعته بنظيره الأرجنتينيّ.
استجاب أوباما لدعوة الراقصة الأرجنتينيّة ولم يستعصم عندما قالت له: “هيت لك”، من دون أن تُغلّق الأبواب درءاً لعيون المتطفّلين، فشاهد العالمُ أطوارَ رقصة التانغو التي تسمّى أيضا “رقصة الإغراء”، حيث يعبّر العشّاق عن معاني الحبّ التي تجمعهم. وقد عرّفها (علماء تلك الصناعة) باعتبارها “رقصةً تجمع في نسماتها عطر الحبّ والقلب”.. ولا يدخل ذلك بالضرورة في دائرة الفحشاء والمنكر، وإلاّ لرفضت ميشال (زوجة أوباما) مراقصة رجل آخر في حضرة بعْلها. “فالرقص عندهم من الفنون، لا من الفسق..، ولا يُشمّ منه رائحة العهر أبداً “، كما قال المصلح الأزهريّ رفاعة رافع الطهطاوي في كتابه الشهير”تخليص الإبريز في تلخيص باريز”.
دوّن الطهطاوي في ذلك الأثر مشاهداته خلال إقامته بفرنسا، ومنها ما يتعلّق بأصول الرقص فأكّد أنّه لا يخرج “عن قوانين الحياء، بخلاف الرقص في أرض مصر، وكل إنسان يعزم امرأة يرقص معها، فإذا فرغ الراقص عزمها آخر للرقصة الثانية وهكذا..” وفي موقع متقدّم، شرح قواعد ذلك الفنّ وآدابه كما لاحظها في المتنزّهات ومحالّ الرقص التي تسمّى “بال”، فجاء شرحه مطابقا لصنيع أوباما في رقصته المشهودة حيث “يرقص الإنسان ويده في خاصرة من ترقص معه، وأغلب الأوقات يمسكها بيده، وبالجملة فمسّ المرأة في الجهة العليا من البدن غير عيْب عند هؤلاء النصارى.”
ولكنْ بقدر ما نجح الطهطاوي في الشرح والتنوير، فشل في إقناع من قرأ كتابه بخلوّ ذلك الفنّ من الشبهات والمنكرات، فمازال السواد الأعظم من المسلمين يتبنّى ما ذهب إليه الحنفية والمالكية والحنابلة والشافعية بخصوص كراهة الرقص معتبرين أنّ فعله دناءة وسفه، وأنّه من مسقطات المروءة، إذْ لا يخلو من كشف العورات والتثنّي والتكسّر المثير للشهوات.
وفي خضمّ هذه المعادلات التي تدلّ على مأزق حضاريّ مزمن بسبب اختلاف المفاهيم وتعارض القيم، يظلّ العرب في علاقتهم بكلّ أنواع الرقص السياسيّ في وضعيّة الطالب والمطلوب، وكلاهما ضعيف. وموقف نيتنياهو برهان على ذلك، فقد صرّح في واشنطن بقوله: “إنّ رقصة التانغو في حاجة إلى اثنين عادة، لكنّها في الشرق الأوسط تحتاج إلى ثلاثة، ونحن نرى الولايات المتّحدة والإسرائيليين في حلبة الرقص، بينما يقف الفلسطينيّون جانبا”. واللافت أنّ صحيفة “يديعوت أحرونوت” تولّت بنفسها شرح أسباب إحجام الفلسطينيّين عن الرقص، فذكّرت نيتنياهو بمعطيات دائرة الإحصاء المركزيّة الإسرائيليّة التي تعكس تزايدا خطيرا في حجم البناء الإسرائيلي على الأراضي المخصّصة للدولة الفلسطينية. وذلك التوسّع يكفي حسب الصحيفة ليرفض أبو مازن الانضمام إلى الراقصين.
وفي سياق مقابل، يتناول ما يتعرّض له العرب من إقصاء وازدراء وتنكّر، عرضت قناة الجزيرة الإخباريّة في حصادها الليليّ تقريرا ينتقد  السياسة الأمريكيّة الجديدة في الشرق الأوسط. وقرأ المحرّر ورقته على أنغام الموسيقى التي صاحبت رقصة أوباما قائلا بمرارة واضحة:” “في السياسة كما في الحياة، تحتاج رقصة التانغو إلي شريكين. لم تعد دول الخليج شريكا لأوباما بالمفهوم القديم، فمن كانوا أعداءً هم الآن على قائمة الأصدقاء.” والمقصود بذلك التلميح هو التقارب الأمريكيّ الإيراني على حساب العلاقات المتميّزة التي كانت تربط بين واشنطن وبلدان الخليج. فحسب التقرير “تحدّث أوباما عن الخليج كعبء لا كحليف”، ومثّل دخول إيران حلبة الرقص بوصفها شريكا جديدا ومفضّلا لواشنطن منذ توقيع الاتفاق النوويّ إيذانا بإقصاء العرب ليواجهوا مصيرهم في التعامل مع تداعيات ربيعهم وأزماته الطبيعيّة والمفتعلة التي أدخلتهم  في مطبّات سياسيّة واقتصاديّة خانقة، وأدّت إلى نشوب حروب مدمّرة، وساعدت على انتشار الإرهاب المنظّم الذي يهدّد استقرار الوطن العربيّ من الخليج إلى المحيط.
والصورة بتلك القتامة تؤكّد توصيف “العبء” الذي سيزداد ثقلا بسبب انهيار أسعار النفط في السوق العالميّة. أمّا تفاصيله فتظهر في حاجة تونس ومصر إلى تمويلات ضخمة لإنعاش اقتصادها المنهار، وانتظار سوريا وليبيا واليمن حلاّ سياسيّا يقبله جميع الفرقاء تمهيدا للسلام وإعادة الإعمار، بالإضافة إلى ضرورة أن يعالج الخليج أزمته الاقتصاديّة بإصلاحات هيكليّة لا تعتمد على البترول في قادم السنوات حيث يتوقّع الخبراء نضوب الذهب الأسود قريبا.
وإجمالا لما سبق ذكره، لم تكن رقصة أوباما في الأرجنتين حدثا سياسيّا استثنائيّا بقدر ما كانت مطيّة لتحليلات لا تخلو من طرافة، فقد أثارت ردود أفعال وتأويلات متضاربة بحسب اختلاف الثقافات والمصالح ووسائل الإعلام التي تعبّر عنها.
ولأنّ المثل الإفريقيّ القديم يقول:”البيضة لا ترقص مع الحجر”، يتحتّم عل العرب أن يتعلّموا قبل كلّ شيء فنون التناغم والانسجام فيما بينهم قبل أن يطلبوا مراقصة الآخرين أو يتباكوا على إقصائهم وحرمانهم بسبب جهلهم قواعد الرقص وشروطه وآدابه.

____________________________

*كاتب تونسي 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه