د. جمال عبد الستار يكتب: يا بشرى .. هذا ترمب

إنه ترمب لم يأت لينشر سلاماً، بل جاء ليعلنها حرباً، نعم ليعلنها حرباً بكل وضوح وجلاء.. نعم لقد أعلنها بكل وقاحة أن مهمته الخارجية تتمثل في إزالة المسلمين الذين يتمسكون بعقيدتهم وقيمهم وهويتهم من على ظهر الأرض. يتبع

د. جمال عبد الستار*

أعلن ترمب ليلة أمس بوضوح ودون تردد، أو تلون، أو مخادعة، وفي أول لحظات تسلمه للقيادة الأمريكية، وإن شئت فقل تسلمه للقيادة الدولية وإدارة العالم أنه لم يأت لينشر سلاماً، بل جاء ليعلنها حرباً، نعم ليعلنها حرباً بكل وضوح وجلاء!!

ليست حرباً على الظلم والاستبداد، ليست حربًا على الطغيان والإفساد، ليست حربًا من أجل العدالة وحقوق الإنسان، ليست حربًا للدفاع عن المظلومين، ليست حربًا على المحتلين للأوطان، المهدرين لكرامة الإنسان، ليست حربًا على المغتصبين للثروات، المنتهكين للأعراض،
ليست حربًا على من أشعل في العراق حربًا عالمية ليدمر اقتصاده، ويفتت وحدته ويهدر ثروته، ويسفك دماء الملايين من أهله!!

إنها ليست حربًا على من دمر سوريا فمزق وحدتها، وشتت أهلها، وأهدر ثرواتها وقتل رجالها ونساءها وأطفالها بالأسلحة الغربية، الأسلحة المحرمة دولياً، المحرمة امتلاكًا واستخداماً على المسلمين فقط !

نعم لقد أعلنها بكل وقاحة أن مهمته الخارجية تتمثل في إزالة المسلمين الذين يتمسكون بعقيدتهم وقيمهم وهويتهم من على ظهر الأرض، نعم إزالتهم من على ظهر الأرض!َ! نعم قد يتلون البعض ويقول: إنه يتحدث عن الإرهاب والتطرف!! وهم يعلمون أنهم يكذبون على أنفسهم وعلى الناس، وإلا فهل زرع الإرهاب في المنطقة، وصنع التطرف وأمده بكل صور الإمداد سوى دولة ترمب وحلفائها وأتباعها في العالم ؟!!

نعم أعلنها الرجل بكل كبر واختيال أن مهمته تتمثل في محاربة الإسلام، وإزالة المتمسكين به من على وجه الأرض ، فهو كما أعلن سابقاً لا يراهم إلا مجموعة من الرعاع العالة على العالم، حتى من مشى منهم في ركابه، فإنه يرى أنهم إذا أرادوا أن يعيشوا فعليهم أن يدفعوا الجزية، بل ويٌسلّموا ثروات بلادهم دون أن يرفعوا رأساً، أو يُبدوا رأيا!!

وهنا تكمن البشرى.
فلم يتوعد أحد على مدار التاريخ بمحو المسلمين من على وجه الأرض إلا جعله الله للناس عبرة وأية، ما توعد أحد بإطفاء نور الله إلا أطفأ الله نوره، ودمر ملكه وشتت شمله.
قال تعالى: “أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى الْأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِم وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُهَا، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ” (سورة محمد)
وقال تعالى: “يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ” (التوبة)
وقال تعالى: “أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ. إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَاد. الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَاد. وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ. وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَاد. الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَاد. فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَاد. فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَاب. إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد. (سورة الفجر).
لم يكن ترمب وجنوده أشد من فرعون وهامان، أو أقوى من عاد وثمود ، لم يكن أشد من هولاكو حفيد جنكيز خان وأدرابهم .
لن يكون بمعزل عن منهجية ومصير هتلر وستالين وأتاتورك وبيريز وشارون وغيرهم من جذور الشر في العصر الحديث .
بُشرى.. ليفهم المسلمون والعرب أن الحرب ليست على جماعة أو قُطر أو حزب أومذهب أو تيار، وإنما هي على الأمة كل الأمة.
بُشرى.. ليفهم المسلمون أن قضيتهم واحدة، ومصيرهم واحد، وقاتلهم واحد فيتدبروا أمرهم وليعدوا لذلك عدته.
بُشرى.. ليفهم الجميع أن كل الصراعات التي تم اشعالها في المنطفة منذ سنوات إنما كانت خطة محكمة، ومنهجية واضحة لاستنزاف طاقات الأمة العسكرية والبشرية والمالية والفكرية، حتى إذا داهمها العدو يوماً لم يجد أمامه إلا العبيد يتلذذون بالعبودية، ويستعذبون المذلة .
بُشرى.. ليتوقف الذين ينشرون في الأمة فقه الاستضعاف والاستذلال والمسكنة، وليتوقف كذلك الذين يريدون للأمة أن تظل في التيه، فأغرقوها بقضايا فرعية، أو شقشقات مذهبية، أو خلافات تاريخية، أو مظاهر خاوية من مضمونها، أو شعارات جوفاء مفرغة من حقائقها.

بُشرى.. ليختفي من على الساحة دعاة الانبطاح والمسكنة، وتجار المظلمة ومحترفو التهوين والخداع، وأرباب المطامح والمطامع، وكهنة المعابد، وسماسرة الدين.

البينة واضحة
بُشرى.. ليفهم الذين يدورون في فلك أنفسهم ومصالحهم ومناصبهم وأطماعهم أن الطوفان القادم لن يُبقي لهم مقاماً ولا مكاناُ، فليركبوا سفينة النجاة ولا يكونوا مع الكافرين.

بُشرى.. لتعلنها الأنطمة العربية والإسلامية بكل وضوح ودون تلكؤ أو تلون انحيازها الكامل لهوية الشعوب وتطلعاتها، وقيمها ومقدساتها، أو الانحياز الكامل لمعسكر الإجرام والدمار والطغيان . ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة.
يابشرى هذا ترمب يهدد الأمة بالقتل!! فما الجديد ياترمب؟ فأمتنا تُقتل وتُعذب من عشرات السنين على يد أتباعك وجنودك وعملائك الذين تخفوا في زى الرهبان، ولبسوا مسوح الوطنية، وتاجروا بكل قضية، فلماذا لاتستبشر الأمة وقد سقطت كل الأقنعة، وأضحى الصراع كفاحاً!!
ألا فليراجع كل سالك طريقه، وكل سائر سبيله، وكل رائد مساره، ليسلك بقومه سبيل الفلاح، ويذلل لهم طريق النجاح، والرائد لايكذب أهله.
اللهم قد بلغت .. اللهم فاشهد….وللحديث بقية إن شاء الله.
_______________________
* رئيس الجامعة العالمية للتجديد، والأمين العام لرابطة علماء أهل السنة

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه