إيرادات القناة مرتبطة بأحوال التجارة الدولية

سعى رأس النظام فى مصر لعمل مشروع قومى يلهب به مشاعر الجمهور، عملا بنصيحة فيلسوف نكسة يونيو هيكل، للسير على خطى عبد الناصر، فاختار عمل توسعة لقناة السويس. يتبع

ممدوح الولي*

إعلان

 

سعى رأس النظام  فى مصر لعمل مشروع قومى يلهب به مشاعر الجمهور ، عملا بنصيحة فيلسوف نكسة يونيو هيكل ، للسير على خطى عبد الناصر ، فاختار عمل توسعة لقناة السويس ، وطلب أن تتم خلال عام واحد باعتبار أن الحفر سيتم فى الرمال لمسافة 35 كيلو متر .

إعلان

وتم حشد وسائل الاعلام للتطبيل للمشروع رغم عدم وجود دراسة جدوى له معلنة ، وتم تحويله من مشروع توسعة لمسافة من مجرى القناة ، مثله مثل غيره مما قام به رؤساء مصر عبد الناصر والسادات وعبد الناصر ، الى قناة جديدة ، رغم أن الحفر لمسافة 35 كيلو والطول الكلى للقناة 192 كيلو، واجمالى طول التفريعات السابقة فى زمن الرؤساء الثلاثة بلغ 5ر80 كيلو متر .

كما تم الخلط بين مشروع محور قناة السويس ، الذى لم يتم اعلان مخططة العام حتى الآن ، وبين مشروع توسعة قناة السويس ، بالإدعاء أن التوسعة للقناة ستوفر مليون فرصة عمل ، وهو زعم غير حقيقى بالمرة ، حيث وفر الحفر فرص عمل مؤقتة لعمالة محلية وأجنبية ، لن تستمر بعد انتهاء الحفر والتكريك .

وفى ظل الشحن الاعلامى  ، تم طرح شهادات استثمار لتمويل الحفر بنحو 60 مليار جنيه بفائدة 12 % ، رغم أن معدل الفائدة على الودائع بالبنوك حينذاك كان حوالى 5ر6 الى 7 % ، ومن الطبيعى أن أى عاقل يجد هذا الفارق فى سعر الفائدة ، أن يقوم بتحويل مدخراته الى  الشهادات الجديدة للإستفادة من فارق سعر الفائدة .

إعلان

 وطبل المسؤلين لذلك بأنه يعبر عن ثقة بالمشروع وفى صاحب المشروع ، رغم أنه لم يصاحب الاكتتاب أية بيانات اقتصادية تفصيلية ، ولقد انكشف الأمر حين أعلنت بيانات ودائع البنوك بشهر سبتمر 2014 ، وهو الشهر الذى شهد الاكتتاب فى شهادات الاستثمار ، حين انخفضت أرقام الودائع بالبنوك خلال الشهر بشدة .

ومن ادعاءات قيادات البنوك وقتها ، أن شهادات استثمار القناة قد جذبت أموالا من خارج البنوك ، ولم يذكروا أن تلك الأموال جاءت من مودعى صندوق توفير البريد ، الذى كانت نسبة فائدته وقتها 5ر8 % ، قبل خصم نسبة منها لمصروفات  الخدمة للايداع والسحب .

وعندما ظهرت مشاكل ميدانية فى الحفر الذى تسربت إليه المياه الجوفية ، تمت الاستعانة بالعديد من الشركات العالمية والعربية ، حتى يتم تنفيذ المهمة فى الموعد المحدد بصرف النظر عن التكاليف المرتفعة ، فلا مجال لأن يعرف أحد التكاليف الإضافية ولا حتى الأساسية .

إعلان

Ö Ö والحقيقة أنه من اللحظة الأولى للاعلان عن مشروع التوسعة ، لم يكابر أحد من المسؤلين بأن ايرادات القناة ستزيد فور اكتمال التوسعة ، وكان ما قالوه أن ايراداتها ستصل الى 226ر13 مليار دولار عام 2023 ، أى بعد ثمانى سنوات من افتتاح التوسعة ، مقابل 5ر5 مليار دولار تمثل ايرادات القناة عام 2014 .

ولأنه من المتوقع ألا ترتفع ايرادات القناة خلال السنوات القليلة القادمة بنسب كبيرة ، يظل السؤال من يدفع تكلفة فوائد شهادات استثمار القناة البالغة 680ر7 مليار جنيه سنويا ، أى 4ر38 مليار جنيه خلال السنوت الخمس التى تمثل عمر شهادات استثمار القناة .

 ومن يدفع أل 64 مليار جنيه التى تمثل أصل قيمة الشهادات ، بعد أربع سنوات ؟ .فى ضوء عدم وجود ايرادات متوقعة للقناة تغطى قيمة الشهادات وفوائدها ؟ المؤكد أن الخزانة العامة المثقلة بالديون هى التى ستتحمل دفع الفوائد وأصل الدين ، ليدفع المواطن تكلفة المشروعات غير المدروسة ، والتى تتم لأغراض دعائية بغض النظر عن جداوها الاقتصادية الحالية .

إعلان

Ö Ö ومشروع التوسعة أساسا لم يكن ملحا بأى حال من الأحوال ، فحتى العام الماضى كان المتوسط اليومى للمرور بالقناة 47 سفينة ، بينما تسمح امكانيات القناة قبل التوسعة بمرور 78 سفينة ، فلم تكن هناك شكوى من وجود صعوبات من السفن للمرور بالقناة .

أما القول بأن التوسعة للقناة توفر حوالى سبع ساعات من زمن رحلة المرور بالقناة ، فيرد عليه خبراء النقل البحرى  بأن  الرحلة من الخليج الى أوربا متوسطها حوالى شهر ، فهل سبع ساعات توفير بالوقت تعنى الكثير للسفن ؟ والأغرب أن خبراء  الملاحة  قالوا أن السفن لا تستخدم كامل قدرتها فى  الإبحار بالسرعات المتاحة لها ، ولكنها تقلل من سرعتها توفيرا للوقود

وعندما يقال أن التوسعة تعد استثمارا للمستقبل ، فإن مشاكل مصر الحالية المتعددة ، سواءا الصحية والتعليمية والاسكانية كانت أكثر إلحاحا لتوجيه تلك الموارد الضخمة لها ، بدلا من توسعة القناة التى يمكنها الانتظار لعدة سنوات دون أى ضرر على ايراداتها .

 وحتى فى مجال النقل فإن الاهتمام بالسكة الحديد أو النقل النهرى أو مترو الانفاق ، كان أكثر جدوى وحيوية بالنسبة للمواطن المصرى ، والغريب أن التوسعة أخرت مشروع تطوير الطرق ، لوجود غالب معدات الشركات  بالقناة .

Ö Ö والمهم أن المرور بالقناة مرتبط بمدى انتعاش التجارة الدولية ، وانتعاش الاقتصاد فى أبرز منطقتين تمر سفنهما بالقناة ، وهما جنوب وغرب أوربا والأخرى جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا ، ولعل تراجع الحركة بالقناة فى أعقاب الأزمة المالية العالمية خير شاهد .

وهو ما أكده البيان المالى لوزارة المالية المصرية للعام المالى 2015/2016 ، بأن ضعف الطلب فى أوربا سيؤثر سلبيا  على التجارة العالمية ، وعلى  الاقتصاد المصرى خاصة بقطاعى التصدير وقناة السويس .

*كاتب مصري وخبير اقتصادي

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه