أين المهنية في حوار “أبلة فاهيتا” وجون ترافولتا؟!

الإعلامية المصرية بوسي شلبي مع جون ترافولتا

اشتهرت دمية (أبلة فاهيتا) في محاورات نجوم الفن بشكل ساخر، وبطريقة غير تقليدية لا تخلو من الفكاهة والسذاجة، تستطيع معها انتزاع الضحكات من المشاهدين دون عناء، وما كنا نعتقد أن هناك من يستطيع منافسة أبلة فاهيتا هكذا بانتزاع ضاحكات رواد مواقع التواصل الاجتماعي، إلا بعد مشاهدة حوار الإعلامية المصرية بوسي شلبي مع (جون ترافولتا) في مهرجان الترفيه بالعاصمة السعودية الرياض.

خرجت المذيعة في بث مباشر وهي تقترب من جون ترافولتا، ودون تردد أو خجل راحت ترتجل عبارات ركيكة مفككة لا معنى لها ولا مقصد، عندما بدأت تقول بصوت تبالغ في رقته “أنا بأحبك ياترافولتا.. إنت أيام شبابي الحلوة يا ترافولتا.. شوفتوا ترافولتا.. شوفتوا القمر.. تعالى مصر ياترافولتا”، ثم التفتت إلى نقيب الممثلين أشرف زكي وقالت “يلّا يا أشرف اعزمه على المهرجان”. أما ترافولتا فظل ينظر إليها وفمه مفتوح، فهو غير قادر على فهم هذا الاقتحام المروع بلغة لا يعرفها، غير كلمة “كايرو” التي استطاع بفطنته أن يعرف ما ترنو إليه الإعلامية، عندما قال بشكل مهذب “بالطبع يسعدني زيارة القاهرة”.

حوار قصير لا يتعدى الدقيقة، ساذج للغاية، لا يليق بأي أحد ينتمي إلى الجهاز الإعلامي الممثل لدولة في مهرجان، أن يبدو هكذا بل ويتفاخر بسطحيته وسذاجته وركاكته اللغوية،  فالمُحاور المحترف ينأى بنفسه عن تلك السطحية، بل يحرص على اختيار كلماته ولا يرضى أن تخرج من فمه إلا وهي مثقلة بذخيرة معلوماتية، وتراكيب لغوية تضفي عليه هالة وميزة لا تخطئها العين، أما هذه السطحية المفرطة فهي تدفع بسؤال: كيف وصل هؤلاء الإعلاميون إلى ما وصلوا إليه؟ وإذا كانوا بهذه الصورة الملتبسة فلماذا يُدعَون إلى هذه المهرجانات؟

إعلان

محنة الإعلام المصري

الحقيقة أن الاعلام المصري في محنة، ما كان له أن يقع فيها لو تمسّك بالتقاليد الإعلامية الوطنية التي ترفع الشباب الموهوب المتمكن إلى دائرة الصف الأول ليمسكوا بالميكرفونات وناصية الكلام، بدلًا من “الهتّيفة الشبّيحة” وإعلاميي الصالات الذين استبدلوا لغة الأفراح الشعبية وأغاني المهرجانات بالرصانة والرقي الثقافي!

انبرى عمرو أديب -صاحب أعلى أجر بين المذيعين في الوطن العربي- للدفاع عن الإعلامية بوسي شلبي، وتساءل “لماذا التنمّر عليها؟ في وقت قامت فيه بدور وطني”!! والدور الوطني في رأيه أنها قالت لترافولتا بلغة إنجليزية مهلهلة “لازم تيجي مصر”!! وكما قال أديب إنه لم يستطع أن يقولها هو نفسه لترافولتا، ثم تغاضى عن كل هذه الركاكة ليجامل زميلته ولا يقول الحقيقة التي لا تأتي في مصلحته، والحمد لله أنّي لست من مشاهديه، ولا أرغب أن أكون.

إعلان

لن نتكلم عن مصر ودورها الثقافي في المنطقة، لكن يجب التركيز على أن تكون هناك وقفة جادة لإعادة تنظيم العمل الإعلامي في مصر، ويجب أن تكون هناك محاسبة لكل من يخطئ أمام الكاميرا، ولا بد أن تكون هناك دورات مكثفة للارتقاء بأبناء المهنة، ويجب القضاء على الواسطة والمحسوبية في مجال يجب أن يقتصر فقط على أصحاب الموهبة، فهناك للأسف العشرات الذين لا يحسنون مخارج الألفاظ، ولا إتقان اللغة العربية، والأهم هو الافتقار إلى الموهبة والثقافة العامة، ولسوء الطالع هم من يقفون اليوم في صدارة المشهد الإعلامي!!

الصحفيون الجيدون لا يواجهون الكاميرات وهم غير متسلحين بالمعلومات الكافية، والقدرة على إيصال ما يرمون إليه في حديثهم للجمهور، وهو احترام النفس والمُشاهد في الوقت نفسه، انظر إلى ذلك الإعلامي الذي ظهر في برنامجه بعد دقائق من انتهاء مباراة مصر والمغرب التي انتهت بفوز المنتخب المصري ليقدّم عرضًا مسرحيًّا هزيلًا ساذجًا يعرض فيه حبه للوطن من خلال هذا النصر الذي لم يكن طرفًا فيه، رغم أنه يقدّم برنامجًا يوميًّا يتمدد فيه ساعات، يستطيع من خلالها أن يحقق لنفسه وللمُشاهد كل ما يريد،  لكن لأنه لا يقول الصدق، نجده يبحث عن مثل هذه المناسبات من أجل استغلالها لإبراز “وطنيته”. والمفارقة الغريبة أن هذا الإعلامي الغريب المثير للجدل استعان قبل سنوات بمَشاهد من لعبة (بلاي ستيشن) وعرضها على أنها صور للقوات الروسية في سوريا، وراح يعلّق على روعة الإعداد وحسن التنظيم، ولمّا انكشف أمر هذا التزييف قدّم اعتذاره ببرود، مع أن خطأ مثل هذا كان كافيًا لإغلاق القناة وإطاحته.

إدمان الرغي

إعلان

مصيبة أيضًا ما تفعله بعض الصحف الإلكترونية اليوم من تقديم خدمة البث المباشر عبر الإنترنت حول قضايا وأحداث يقوم بها صحفيون شبان يدمنون “الرغي” ولا يفرّقون بين الأسئلة التي يطرحونها على الضيوف وآرائهم التي يفرضونها على المُشاهد، فلا تعرف أين السؤال أصلًا!!

مهرجان الأسئلة غير المهنية هذا كنا نراه بوضوح في المؤتمرات الصحفية للجامعة العربية، فبغض النظر عن التنظيم والإعداد غير الجيد، كان كثير من الصحفيين عندما يتقدمون بالسؤال يلقون خطابًا وليس سؤالًا؟ يحتار معه مَن وُجّه إليه السؤال، ونحتار نحن -المشاهدين- معه!! ماذا يقصد؟ وماذا يريد؟ أما السؤال فيجب ألا يتعدى بضع كلمات، ويكون مستفزًّا لإجبار الضيف على إخراج ما لديه من إجابة دون تحفّظ وخجل.

مثلًا ما جرى قبل أيام قليلة في البيت الأبيض، عندما كان الصحفيون يهمّون بمغادرة القاعة بعد جلسة لالتقاط  الصور، فجأة توجه مراسل شبكة (فوكس نيوز) المفضلة لدى المحافظين بسؤال إلى الرئيس بايدن عمّا إذا كان التضخم الحالي يشكل عبئًا سياسيًّا عليه قبل الانتخابات النصفية، اغتاظ الرئيس الديمقراطي الذي لم يكن -على الأرجح- يعلم أن ميكروفونه لا يزال مفتوحًا وردّ بتهكم “إنه ميزة عظيمة، مزيد من التضخم”، وراح يتمتم بكلمات استمع لها الجميع “يا لك من صحفي غبي!” ثم أردف بنعته بألفاظ نابية، بعدها اعتذر بايدن إلى الصحفي عندما أيقن أن الجميع استمع لسبابه وكلماته النابية.

أقصر الطرق إلى الإعلام الجيد هو الصدق الذي يُعد العامل الأول في جذب المُشاهد وليس في إجبار المواطن على تلقّي ما يقوله الإعلام دون أن يتوافق ذلك مع رؤيته أم لا، وغالبًا لن يتحقق ذلك إلا باستقلال الإعلام ورفع يد الدولة عنه حتى تعود إليه الريادة في التنوير والتثقيف بدلًا من تلك المهازل التي نشهدها.

المصدر : الجزيرة مباشر