ثلاثة مشاهد تحتم رد الضربة الإيرانية

مظاهرة في طهران دعماً للهجمات الإيرانية على إسرائيل (الأناضول)

 

لا تقاس الضربة الإيرانية التي شنتها أكثر من 300 طيارة مسيرة و120 صاروخًا باليستيًا وعدد من صواريخ الكروز بما أحدثته من خسائر مادية في أبنية محددة، أو مالية بشأن ما تكبده الكيان الصهيوني والمقدر فقط في تصديها للهجمة بمليار وثلاثمائة مليون دولار، فخزائن الولايات المتحدة الأمريكية -ومن هبّ من الغرب لمواجهة الهجمة الإيرانية إضافة للعرب المتصهينة- على استعداد لدفع كل ما يلزم لكي لا تتأثر وليدتهم وحليفتهم ع ماديا.

أيضا لا يحسب الكيان الصهيوني ورفاقه ما دُمر من مطارات عسكرية أو وحدات، ولا حتى قتلى وإن أعلن الجيش الإسرائيلي أنه لا قتلى في هجمات إيران فجر الأحد الماضي. فكل تلك الخسائر سواء حدثت أم لا فالمصادر المتاحة هي وسائل الإعلام الصهيونية التي التزمت بتعليمات جيش الدفاع في عدم نشر أي أخبار إلا من خلالهم. إذن فالإدارة الصهيونية ومن حالفهم من الغرب الأمريكي أو الشرق العربي لا تعنيهم الخسائر المادية أو البشرية إن وجدت، فما الذي يحتم الرد الصهيوني على الضربة الإيرانية القاسية المؤلمة؟

ثلاثة مشاهد لن تنساها إسرائيل

بينما اعتبر البعض الضربة الإيرانية “مسرحية”، كان فرحي واعتزازي بالضربة الإيرانية كبيرا، وسوف أبين لماذا هي قاسية ولن ينساها الكيان طويلا إن بقى في عمره طويلا! وحينها لن تنساها الذاكرة الصهيونية ما بقيت، فإن ثلاثة مشاهد ستظل في تلك الذاكرة:

المشهد الأول (الهروب إلى الملاجئ والشوارع)

لن تنسى إدارة الكيان الصهيوني هذا الرعب الذي أصاب مستوطنيها في عدة ساعات من فجر الأحد، وهذا هو أقسى المشاهد، وللتاريخ لم يحدث هذا إلا في عام 1991 حينما أطلق الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عدة صواريخ على تل أبيب، وكان الهلع الكبير، ودفع صدام الثمن لتلك المشاهد قاسيا انتهى بالاحتلال الأمريكي للعراق وتدمير البلد الذي كان بداية تهجين المنطقة العربية لصالح الكيان.

فهل تنسى إسرائيل هذا الهروب الكبير لمستوطنيها؟  وهل تنسى أن أكثر من مليوني مستوطن هربوا إلى الملاجئ؟ هل تنسى اجتماع قادتها وقادة جيش الدفاع في ملجأ تحت الأرض بأكثر من 12 مترا؟

هذا الهروب في الشوارع وإلى الملاجئ التي احتمى فيها المستوطنون والقادة بينما الطائرات والصواريخ الإيرانية تتلألأ في سماء فلسطين المحتلة يضرب صميم الفكرة الإسرائيلية من أنها أرض الأمن والأمان لكل من جاء إليها منذ النشأة حتى الآن.

إن كان طوفان الأقصى قد جعل أكثر من 300 ألف مستوطن يخرجون من أرض فلسطين المحتلة، وتراجعت الهجرة القادمة للكيان كثيرا مقارنة بالهجرة العكسية وعودة المستوطنين إلى بلادهم الأصلية، فما بالنا وقد وصلت الصواريخ الإيرانية العمق الفلسطيني المحتل.

المشهد الثاني (الكنيست واليد الطولي)

اعتمد الكيان الصهيوني طوال تاريخه على أنه صاحب اليد العليا في المنطقة العربية في التسليح بسبب ترسانة الأسلحة الأمريكية، الألمانية، الفرنسية، الإيطالية، الهولندية، متفوقا على التسليح العربي مجتمعا والقادم -معظمه- أيضا من الولايات المتحدة الأم الرئيسية للكيان، ومنذ عام 1975 حتى الآن لم تقدم أمريكا لتلك الدول أي أسلحة ذات طابع هجومي فكل ما جاء إليها أسلحة دفاعية، إضافة إلى كون الكيان الصهيوني على علم تام بكل ما يقدم لتلك الدول التي استسلمت للفكرة الصهيونية وعقدت اتفاقيات معه.

المشهد الآن يتغير فالطائرات المسيرة من إيران والعراق واليمن أصبحت تصل العمق الفلسطيني المحتل، تهز الصورة السابقة عن اليد الطولي للكيان، بل إن جيش الدفاع احتاج إلى مساعدات أمريكية بريطانية ألمانية فرنسية، وأردنية واستخدم المجال الجوي للأردن والعراق وسوريا للتصدي للهجمة الإيرانية ليلة الأحد، ولولا تلك المساعدات الكبيرة لدفعت إسرائيل ثمنا باهظا.

إذن ها هي الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية فوق الكنيسيت الإسرائيلي بعد أن انطلقت من الأراضي الإيرانية واستمرت رحلتها أكثر من 1200 كم طيران، وهذا المشهد أيضا يضرب عمق فكرة اليد الطولي للسلاح الصهيوني.

هذه المرة الأولى التي تقدم إيران على ضرب العمق الإسرائيلي، أو أي دولة أخرى في المنطقة المحيطة بفلسطين المحتلة بعد صدام حسين، وإيران هي المصدر الرئيسي لتسليح المقاومة العربية في لبنان، العراق، اليمن، وفلسطين، إذن فقط أصبح بإمكانية محور المقاومة الحصول على تلك الأسلحة الإيرانية، ولم يصبح العمق الإسرائيلي في مأمن طالما وجدت لدى المقاومة في فلسطين ومحور المقاومة.

المشهد الثالث (المسجد الأقصى)

لأول مرة في تاريخ نشأة الكيان الصهيوني في بداية القرن العشرين يصل طيران وصواريخ تنتمي إلى دولة معادية للكيان الصهيوني لتحلق فوق المسجد الأقصى الشريف، وقد كانت البهجة العربية، وفرحة المقاومة الفلسطينية بذلك كبيرة.

هذا المشهد له أثره لدى كل مقاوم في الأراضي العربية والفلسطينية، وهذه الفرحة برؤية الطائرات والصواريخ الإيرانية لا تعني الكيان الصهيوني كثيرا، لكن ما يعنيه هو الدفعة المعنوية لقوى المقاومة العربية في كل الأرض، إذن في الإمكان الوصول لعمق أرضنا المحتلة، وتلك ستجعل قوى المقاومة قادرة على تجيش الإمكانيات من أجل الحصول على تلك الأسلحة المتاحة ما دامت تمتلكها دولة تحتضن المقاومة العربية..

ربما تلك الروح المعنوية لا تمثل كثيرا للكيان الصهيوني طالما مخازن الأسلحة الأمريكية ومصانعها تعمل من أجل الكيان، فتظل لدينا النقطتان اللتان أشرت إليهما بشأن أمن المستوطن الصهيوني، واليد الطولى وعدم قدرة أي سلاح عربي أو مسلم في الوصول إلى العمق، وكل هذه الأشياء تضرب في عمق إسرائيل وفكرة الكيان الأمن.

الرد القادم

لكل ما سبق ولكي يبقى الكيان الصهيوني في عرف اليمين المتطرف الذي يحكمه وفي عقل كل متصهين غربي أو شرقي فلا بد من رد قاسٍ ضد إيران، والواقع أنني أكتب هذا المقال وعيني على قنوات الأخبار العالمية انتظارا للرد الصهيوني الذي لا شك حادث، رغم النصائح الأمريكية بعدم الرد، وتهديد إيران برد قاس لو أقدم الكيان عليه.

كل هذا لن يثني جيش الدفاع عن الرد، اعتقادا منه أن هذا يحمي الدولة الصهيونية ويؤكد على أنها القوة الأولى والعظمي في الشرق الأوسط وهو ما يعطي الأمان لاستمرارها، والسؤال: ماذا سيكون الرد الإيراني؟ خاصة أن هناك توقعات بضرب المفاعل النووي الإيراني، فهل استعدت إيران وما حدود ردها إن حدث؟ هذا ما سنشاهده على الهواء مباشرة خلال قادم الأيام.

المصدر : الجزيرة مباشر