قراءة في نتائج الانتخابات التركية

رغم أن الفترة من عام ٢٠١٤ حتى الآن شهدت خمسة استحقاقات تصويتية في تركيا ما بين بلدية ورئاسية واستفتاء، إلا أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة شكلت منعطفاً هاما في تاريخ الجمهورية التركية منذ تأسيسها حتى الآن، إذ انتقلت البلاد فعليا بعدها من النظام البرلماني إلى الرئاسي مع ما سيترتب عليه من تغييرات جوهرية ستطال بنية النظام الحاكم وترتيب شكل الدولة، مع تأثيرها المتوقع على مجمل السياسات الداخلية والخارجية للدولة التركية.

الأرقام المسجلة التي أعلنت عنها اللجنة العليا للانتخابات والتي تمثل نتائج أولية غير رسمية حتى كتابة هذه الأسطر، حملت العديد من الدلالات التي ينبغي التوقف عندها

مشاركة شعبية تجاوزت الديمقراطيات الغربية
إعلان

تشكل المشاركة الشعبية التركية في الانتخابات ملمحا أساسيا من ملامح الانتخابات التركية ليس الآن فحسب ولكن منذ عقود، لقناعة الناخب أن صوته سيؤثر تأثيرا حقيقيا ولن يتم التلاعب به عبر التزوير.

من هنا فإن نسبة المشاركة بلغت أكثر من ٥١ مليون ناخب من أصل أكثر من ٥٩ مليون ناخب يحق لهم التصويت، بنسبة ٨٦.٢٪، وهي نسبة تتفوق على كبرى الديمقراطيات الغربية، فعلى سبيل المثال بلغت نسبة المشاركة في انتخابات الرئاسة الفرنسية العام الماضي حوالي ٧٠٪

هذه المشاركة الشعبية الواسعة تعكس جهدا متراكما من المرشحين الرئاسيين والأحزاب السياسية، التي نجحت في حشد مؤيديها، وحمل الشرائح غير المسيسة على المشاركة، ورغم هذه النسبة العالية إلا أن عملية التصويت تمت في سلاسة ويسر مع التزام كامل بمواعيد فتح وإغلاق لجان الاقتراع، وبدء عملية الفرز عقب اللجان مباشرة وبدء السماح بظهور النتائج من قبل اللجنة العليا للانتخابات بعد أقل من ساعتين على الإغلاق، فيما لم ترد أي شكاوي ذات تأثير على سير عملية التصويت أو الفرز، في ظل تشديد أمني بمشاركة أكثر من نصف مليون شرطي، كل هذا يمنح الحكومة التركية التي أشرفت لوجستيا على المشهد الانتخابي دون التدخل في تفاصيله الموكولة إلى لجنة الانتخابات، شهادة إجادة مستحقة.

إعلان
كيف حسم أردوغان الماراثون الانتخابي؟

جاءت نتائج الانتخابات الرئاسية وفق الترتيب التالي:

اسم المرشح

إعلان

عدد الأصوات

النسبة المئوية

رجب طيب أردوغان

إعلان

26.260.112

52.6٪

محرم إنجه

إعلان

15.304.660

30.6٪

صلاح الدين دميرطاش

إعلان

4.192.637

٨.٣٪

ميرال أكشنار

إعلان

3.645.866

٧.٣٪

تمل كرامولاأوغلو

إعلان

443.053

٠.٨٪

دوغو برينتشك

إعلان

98.718

٠.٢٪

 
إعلان

من هنا فإن الفارق بين أردوغان وأقرب منافسيه حوالي ١١ مليون صوت، حيث تمكن من حسم الانتخابات في ست مناطق من المناطق السبع التي تشكل التقسيم الجغرافي للولايات التركية وهي:

  • منطقة البحر المتوسط (٤٨.٣٪)
  • منطقة البحر الأسود (٦٥.٤٪)
  • منطقة جنوب شرق الأناضول (ذات الأغلبية الكردية) ٤٩.١٪
  • منطقة وسط الأناضول (٦٠.١٪)
  • منطقة شرق الأناضول (٥٢.٢٪)
  • منطقة بحر مرمرة (٥٠.٨٪)

فيما لم يحقق إنجه تقدما إلا في منطقة بحر إيجه التي تشكل منطقة نفوذ تقليدية لحزب الشعب الجمهوري

ووفقا لهذه الأرقام يتضح ارتفاع نسب التصويت لأردوغان في المناطق الكردية، وهو الأمر الذي راهن عليه حيث حرص على اختتام جولاته الانتخابية من الولايات ذات الغالبية الكردية، وقد عكست كثافة الحضور الجماهيري تغيرا محتملا في مزاج الناخب الكردي خلاف ما روج له البعض من فقدان أردوغان للأصوات الكردية نتيجة الحملة العسكرية على حزب العمال في تلك المناطق، وعملية غصن الزيتون في منطقة عفرين، واعتقال الكثير من المنتمين لحزب الشعوب الديمقراطي بتهم تعاونهم مع تنظيم حزب العمال الكردستاني “بي كا كا” وعلى رأسهم رئيس الحزب المشارك، صلاح الدين ديميرطاش، إضافة إلى موقف تركيا الرافض لانفصال إقليم شمال العراق.

إعلان

لكن يبدو أن أصواتا كردية كثيرة اختارت الاستقرار في ظل الخدمات المتزايدة التي تمنحها الدولة لتلك المناطق وحالة الإعمار الهائلة التي تشهدها ولاية ديار بكر والتي غيرت شكل الحياة فيها بدرجة كبيرة.

بقية المناطق لم تشكل أرقامها مفاجأة بحكم الشعبية التي يتمتع بها حزب العدالة والتنمية فيها خاصة منطقة البحر الأسود، أو كونها تمثل خزانا بشريا تاريخيا للمحافظين الأتراك كما هو الوضع في ولايات وسط الأناضول.

لكن المفارقة الجديرة بالذكر أن أردوغان تمكن من حسم الانتخابات في ولاية يالوفا مسقط رأس إنجه والتي يمثلها في البرلمان، كما لوحظ تفوق أردوغان في ولاية إسكي شهير التي كانت تعد إلى وقت قريب معقلا لحزب الشعب الجمهوري.

إعلان
لماذا اختلفت نتائج الأحزاب عن الرئاسة؟

النتائج شبه النهائية للأحزاب التي تمكنت من تجاوز عتبة الـ١٠٪ ودخول البرلمان جاءت طبق الجدول التالي:

اسم الحزب

إعلان

النسبة المئوية

عدد المقاعد

العدالة والتنمية

إعلان

٤٢.٥٪

٢٩٥

الحركة القومية

إعلان

١١.١٪

٤٨

الشعب الجمهوري

إعلان

٢٢.٦٪

١٤٧

الشعوب الديمقراطي

١١.٧٪

٦٧

الصالح (إيي)

١٠٪

٤٣

 

الملاحظة الأبرز هنا اختلاف النسب التي حصلت عليها الأحزاب عن تلك حصل عليها مرشحوها الرئاسيون.

فحزب العدالة والتنمية يقل عن النسبة التي حصل عليها أردوغان بحوالي عشر نقاط، لكن إذا وضعنا في الاعتبار أن أردوغان كان مرشحا عن تحالف الشعب الذي يضم حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، وقد حصل التحالف على حوالي ٥٣.٦٪ فهنا يمكننا القول إنه ليس ثمة فارق يذكر.

لكن التباين الواضح بين ما حصل عليه إنجه وما حصل عليه حزب الشعب الجمهوري (حوالي ثماني نقاط) هو ما يسترعي الانتباه ويطرح سؤالا هاما هل اختار ناخبون التصويت لإنجه دون حزبه؟ قبل الإجابة على السؤال ينبغي ملاحظة تكرار الوضع ذاته لكن بطريقة عكسية مع المرشح الرئاسي ديميرطاش (حصل على حوالي ٨٪) وحزبه الذي تفوق عليه فهل اختار قسم من الناخبين الأكراد دعم الحزب على حساب رئيسه المسجون؟ قد يكون هذا تفسير مقبول، لكن ثمة تفسيرات أخرى تؤكد أن رئيس حزب الشعب كمال كليتشدارأوغلو وجه جزءا من أنصار الحزب للتصويت لحزب الشعوب الكردي حتى يتمكن من تجاوز عتبة الـ ١٠٪ وبالتالي يحرم حزب العدالة والتنمية من الحصول على معظم هذه المقاعد (حوالي خمسين مقعدا على أقل تقدير).

 

 

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه